اعلم أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة، ومذهب الشافعي وآخرين رحمهم الله: أن تطويل القيام في الصلاة بالقراءة أفضل من تطويل السجود وغيره وأما القراءة في غير الصلاة، فأفضلها قراءة الليل، والنصف الأخير منه أفضل من الأول، والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة.
ــ
فصل في الأوقات المختارة للقراءة
قوله:(أَفْضَلَ القراءَةِ مَا كانَ في الصلاةِ) أي في قيامها لما مر من النهي عن القراءة في غير القيام، ففي الحديث عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال قراءة القرآن في الصلاة أفضل من قراءة القرآن في غير الصلاة الحديث. قال في المشكاة رواه البيهقي في شعب الإيمان قلت.
وأخرجه صاحب الفردوس قال ابن حجر في شرح المشكاة وذلك لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر لما يحصل للقلب فيها من الخشوع والخضوع ولا شك أن في القراءة مع ذلك استغراق القلب في تدبر القرآن الموجب لمزيد إلاقبال على الله تعالى والتخلق بالأخلاق العلية ما ليس في القراءة خارجها اهـ. قوله:(ومذْهَبُ الشافعي الخ) سبق بيان الخلاف في المسألة في باب الجود ودليل الأقوال. قوله:(وأَمَا القراءَةُ في غيرِ الصلاةِ فأَفضلُها قراءَةُ الليلِ) أي لقوله تعالى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ}[آل عمران: ١١٣] والأحاديث والآثار فيه كثيرة منها حديث جابر عند مسلم فإن قراءة آخر الليل محضورة وذاك أفضل وهو مستند فضلها بالنصف الأخير منه ورجحت قراءة الليل لكونها أجمع للقلب وأبعد عن الشواغل والملهيات والتصرف في الحاجات وأصون عن الرياء وغيره من المحبطات وأقرب إلى التفكر في معاني القرآن وأصون عن تطرق نحو الرياء وأبعد من التشاغل واللهو مع ما جاء الشرع به من الخيرات في الليل كالإسراء - صلى الله عليه وسلم - وإجابة الدعاء كل ليلة كما سبق وفي بهجة الأسرار بإسناده عن سلمان الماطي قال رأيت علي بن أبي طالب في المنام يقول شعرًا:
لولا الذين لهم ورد يقومونا ... وآخرون لهم سرد يصومونا
لدكدكت أرضكم من تحتكم سِحرًا ... لأنكم قوم سوء ما تطيعونا
كذا يؤخذ من التبيان باختصار. قوله:(والنصفُ الأخيرُ الخ) أي لأن فيه التجليات