للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فلا جرم ينشأ من ذلك من قهر عالم الطبيعة وضغط حصص مزاج البشرية ما يقوي به الانتقال ويظهر به سلطان الحال ومن هنا وصف - صلى الله عليه وسلم - المؤمن بأنه عند حضور أجله تتهوع نفسه وقال أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه والمنافق يبتلع نفسه وقال كره لقاء الله فكره الله لقاءه مع ما ينضم إلى ذلك من تعلق أهل عالم الدنيا ممن له نصاب إلى حضرته العلية بل من كل ما له تلق من تلك الإمدادات المحمدية ببقائه في هذا الوجود ومد أمد حياته التي هي حياة كل موجود وهو - صلى الله عليه وسلم - ذو المرآة التي لا أسطع من شعاع ضيائها ولا أبدع من صقالة صفائها لتنطبع تلك التعلقات من حضرته الشريفة بمرآتها ومقتضى ما ذكر في هذا الانطباع وتعلق هذا العالم باذيا له نقيض حالة ترحاله وانتقاله فيتقابلا على طرفي نقيض لا على إن الله تعالى يقهر أمره أمر وإنما هو على إعطائه تعالى الأشياء مقتضاها وإظهار سلطنة حبيبه بقوة تعلق الكائنات بما منح من تلك المرتبة الشريفة وإعطائه مع ما ينضم إلى ذلك من إجراء الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - على أوصاف العبودية التي هي أشرف الأوصاف وأجل محاسن محامد الاتصاف أو ليس قد خيره الله بين أن يكون نبيًّا ملكًا أو نبيًّا عبدا فاختار أن يكون نبيًّا عبدًا وقال أجوع يومًا وأشبع يومًا وآكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد ومقتضى مزاج العبودية عدم الإرفاه بل منازلة المكاره ومعاناة الشدائد في جنب أوامر السيد وما جاء إنه بكى على ولده وقال إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن فإبقاء هذه الحصة البشرية المدركة لهذه الآلام تحقيقًا لما أحب وشرفه به من أوصاف العبودية ورام فإنها مجلبة الضراعة ومراعاة الافتقار إلى الحق ووازع الانكسار بين يديه وبها يظهر سلطان الربوبية ويقوم نواميس الألوهية والله أعلم. انتهت الرسالة وفي كتاب الأخلاق للشعراني سمعت سيدي علي الخواص رحمه الله تعالى يقول يسهل الله تعالى على العبد طلوع روحه بقدر ما ذاق من الغصص في مرضاة الله عزّ وجل فقلت له إن الأنبياء أكثر النّاس بلاء ومع ذلك فقد ورد أن أحدهم يشدد عليه المرض وغيره فقال تشديد المرض على الأكابر قد يكون تعظيمًا لأجورهم لا لعلاقة دنيوية تجذبهم إليها بل لا يجوز حملهم على ذلك وبعضهم يصعب عليه روحه لأجل تلامذته فيريد عدم الخروج من الدنيا حتى يكلمهم ويرشدهم إلى كمال مقام المعرفة ولولا ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>