واعلم أن الصواب المختار ما كان عليه السلف رضي الله عنهم: السكوتُ في حال السير مع الجنازة، فلا يرْفَع صوتًا بقراءة، ولا ذِكْرِ، ولا غير ذلك، والحكمة فيه ظاهرة، وهي أنه أسكنُ
لخاطره، وأجمعُ لِفِكْره فيما يتعلق بالجنازة، وهو المطلوب في هذا الحال، فهذا هو الحق، ولا تغترَّنَّ بكثرة من يخالفه، فقد قال أبو علي الفضيل بن عياض رضي الله عنه ما معناه: الزم طرق الهدى، ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغترَّ بكثرة الهالكين.
وقد روينا في "سنن البيهقي" ما يقتضي ما قلتُه. وأما ما يفعله الجهلة من القراءة على الجنازة بدمشق وغيرها
ــ
ونحو ذلك ويكون ذلك سرًّا. قوله:(فَلَا يُرْفعُ صَوْتٌ بقرَاءة ولا ذِكْرِ الخ) لأن الصحابة كرهوا ذلك حينئذٍ رواه البيهقي وكره الحسن وغيره استغفروا الله لأَخيكم ومن ثم قال ابن عمر لقائله لا غفر الله لك ولكنه
بدعة قبيحة لكن رأيت السيد طاهر الأهدل نقل بهامش أصله من هذا الكتاب في هذا المكان عن جده السيد حسين الأهدل ما لفظه اعلم وإن كانت السنة السكوت فقد اعتاد النّاس كثرة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ورفع أصواتهم بذلك فلا ينبغي أن ينهوا عن ذلك ويقال أنها بدعة مكروهة فإن المكروه ما ورد فيه نهي مقصود ولأن دواعيهم لا تتوفر على السكوت والفكر في أمر الموت بل يفيضون في حديث الدنيا بأهلها فيقعون في محذور أعظم من الذي يحاوله الناهي وقد قالوا إن الناهي يترك النهي عن المنكر إذا لزم عليه الوقوع في منكر أقوى منه اهـ، ونقله ابن زياد في فتاويه وقال بعد نقله وقد جرت العادة في بلدنا زبيد بالجهر بالذكر أمام الجنازة بمحضر من العلماء والفقهاء والصلحاء وقد عمت البلوى بما شاهدناه من اشتغال غالب المشيعين بالحديث الدنيوي وربما أداهم ذلك إلى الغيبة أو غيرها من الكلام المحرم فالذي اختاره أن شغل أسماعهم بالذكر المؤدي إلى ترك الكلام وتقليله أولى من استرسالهم في الكلام الدنيوي ارتكابًا لأخف المفسدتين كما هو القاعدة الشرعية وسواء الذكر والتهليل وغيرهما من أنواع الذكر والله أعلم. قوله:(فَهذَا هُو المطلُوبُ في هَذَا الحَالِ) أي إن أمكن وحصل وإلا فيشتغل بالذكر كما تقدم آنفًا. قوله:(وقَدْ رَوَيْنَا في سنَنِ البيهقي الخ) في الخلاصة عن قيس بن عبادة