للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الليل، فلما انصرف أقبل على النّاس فقال: "هَلْ تَدْرُونَ ماذا قال رَبُّكُمْ؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: "أصْبَحَ مِنْ عِبادِي مُؤْمِنٌ بي وكافِرٌ، فأمَّا مَنْ قال: مُطِرنا بفَضْلِ الله وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بي كافِرٌ بالكَوْكَبِ، وأمَّا مَنْ قال: مُطِرْنا بِنَوءِ كَذا وكَذَا، فذَلك كافِرٌ بي مُؤْمِنٌ بالكَوكَبِ".

قلت: الحديبية معروفة، وهي بئر قريبة من مكة دون مرحلة، ويجوز فيها تخفيف الياء الثانية وتشديدها، والتخفيف هو الصحيح المختار، وهو قول الشافعي وأهل اللغة، والتشديد قول ابن وهب وأكثر المحدثين.

ــ

عليه وسلم - يحرم بعمرة أحرم بها من ذي الحليفة وهم بدخول مكة من جانب الحديبية فصده المشركون عن البيت فصالحهم وشرط لهم وعليهم ولم يدخل مكة ذلك العام بل تحلل ورجع المدينة فلما كان العام المقبل دخلها بعمرة وتفصيل ذلك في كتب السير. قوله: (فلمَّا انصرَفَ) أي انصرف من صلاته وفرع منها. قوله: (فأمَّا مَنْ قَال مُطِرنَا بفَضْلِ الله ورحمتَهِ فذَلِكَ مؤمنٌ بِي) أي من قال ذلك بلسانه معتقدا له بجنانه مصدقًا بأن المظر خلقي لا خلق الكواكب أرحم به العباد وأتفضل به عليهم كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى: ٢٨]. قوله: (وهيَ بئْرٌ) وقيل موضع فيه ماء ولا منافاة لاحتمال أنه لأحدهما بالأصالة وبه سمي الآخر إما من إطلاق اسم الجزء على الكل أو بالعكس ثم رأيت في كتاب التهذيب الآتي إشارة لما ذكرته. قوله: (قريبَةٌ منْ مكّةَ) أقول بينها وبين مكة كما بين الجعرانة ومكة اثنا عشر ميلًا وقيل ثمانية عشر ميلًا وجزم به جمع ورد، وأصل الخلاف الاختلاف في مسافة الميل هل هي ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع كما قاله ابن عبد البر وآخرون أو ستة آلاف كما قالوه في باب صلاة المسافر وهذا هو الصحيح وإن اعترضه جمع بكلام ابن عبد البر فقد قال المحققون إن هذا قيل به عن تحقيق واختبار بخلاف ذاك والله أعلم. قوله: (والتخفيفُ هو الصحيحُ المختَارُ وهوَ قولُ الشَّافِعي وأَهلِ اللُّغةِ) زاد في شرح مسلم وبعض المحدثين وذكر القرطبي في المفهم أن ذلك لغة أهل العراق. قوله: (والتشدِيدُ قولُ ابْنِ وهْب وأَكثَرِ المحدِّثينَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>