وليحذروا من الإعجاب بالكثرة، فإنه يخاف منها التعجيزُ كما قال تعالى:{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}[التوبة: ٢٥].
ــ
وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} قوله:(وليحذروا) أي وليخش المجاهدون. قوله:(من الإعجاب بالكثرة) أي وغيرها مما يقع عنده النصر بفضل الله تعالى عادة من وجود الشجعان وزيادة العدة ورفعة المكان. قوله:(فإنه يخاف منها) أي من الكثرة (التعجيز) أي يخاف من الإعجاب بها أو من نفسها لكونها سبب التعجيز فنسب إليها ذلك. قوله:(ويوم حنين) أي ونصركم الله يوم حنين وحنين بضم الحاء المهملة ونونين بينهما تحتية مصغر اسم لواد بين مكة والطائف قريب من ذي المجاز قال في النهر وصرف مذهوبًا به المكان ولو ذهب به مذهب البقعة لم يصرف وإذ بدل من يوم وأضاف الإعجاب إلى جميعهم وإن كان صادرًا عن واحد منهم لما رأى الجمع الكثير أعجبه وقال: لن نغلب اليوم من قلة وهذه الكثرة قال ابن عباس كانوا ستة عشر ألفًا والباء في قوله بما رحبت للحال وما مصدرية أي ضاقت بكم الأرض مع كونها رحبة واسعة لشدة الحال عليهم والرحب أي بضم الراء السعة وبفتحها الواسع. قوله:(ثم وليتم مدبرين) أي فارين على أدباركم منهزمين تاركين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسند التولي إلى جميعهم وهو واقع من أكثرهم إذ قد ثبت معه - صلى الله عليه وسلم - من الأبطال اهـ. وانظر إلى جزاء ما صدر من إعجاب ذلك الإنسان بكثرة ذلك الجيش وقوله لن نغلب اليوم عن قلة لما كان فيها ظاهرًا الاعتزاز بالقوة والكثرة من انهزام معظمهم إلا من ثبت معه - صلى الله عليه وسلم - نحو عشرة من ابطال الصحابة كالصديق وعمر والعباس وحيدرة في آخرين قال في شأنهم العباس رضي الله عنه وأرضاه:
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة ... وقد فر من قد فر منهم واقشعوا
وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه ... بما مسه في الله لا يتوجع