البصري التابعي المشهور رحمه الله قال: ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقول في أذنها: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا
ــ
أي كماله في العلوم من برع في الشيء إذا تقدم فيه على الغير وفي الصحاح برع الرجل وبرع أيضًا بالضم براعة أي فاق أصحابه في العلم وغيره فهو بارع اهـ. قوله:(التابعي) هو من اجتمع بالصحابي واختلف هل تعتبر المدة في حصول ذلك ويفرق بين اعتبارها هنا وعدم اعتبارها في الصحبة بأن أنوار النبوة يحصل بها من التأثيرات المعنوية والفيوض الإلهية ما لا يحصل من الاجتماع بالصحابي في مدة أو لا يعتبر ذلك قياسًا على الاكتفاء بأصل الاجتماع في الصحبة وعلى الأول فقيل لا بد من شهر وقيل أربعة أشهر وقيل سنة وقيل غير ذلك ودلائل ذلك في كتب أصول الفقه. قوله:(ما من رجل وفي نسخة ليس من رجل) أي ومثله المرأة وذكر لأنه الأشرف أو لأنه الأغلب في معناه مثل ذلك والله أعلم. قوله:(أفغير دين الله) الهمزة للاستفهام والمراد منه الإنكار والتوبيخ أي فبعد وضوح الدلائل أن دين إبراهيم هو دين الإسلام (تبغون) قرئ بالفوقية أي تطلبون يا معشر اليهود والنصارى وقرئ بالتحتية ردًّا على قوله تعالىِ: {فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} قوله: (وله أسلم) أي خضع وانقاد. قوله:(طوعًا) أي انقيادًا واتباعًا بسهولة. قوله:(وكرها) هو ما كان
لمشقة وإباء من النفس واختلف في معنى قوله تعالى:{طَوْعًا وَكَرْهًا} فقيل: أسلم أهل السموات وبعض أهل الأرض طوعًا وأسلم بعض أهل الأرض كرهًا من خوف القتل والسبي وقيل: أسلم المؤمن طوعًا وانقاد والكافر قهرًا وقيل: هذا في يوم أخذ الميثاق {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} فمن سبقت له السعادة قال: ذلك طوعًا ومن سبقت له الشقاوة قال: ذلك كرهًا وقيل أسلم المؤمن طوعًا فنفعه إسلامه يوم القيامة والكافر أسلم كرهًا عند الموت في وقت اليأس فلم ينفعه ذلك في يوم القيامة وقيل: إنه لا سبيل لأحد من الخلق إلى الامتناع على الله في مراده أما المسلم فينقاد الله فيما أمره به أو نهاه عنه طوعًا وأما الكافر فينقاد لله كرهًا في جميع ما يقضي عليه ولا يمكنه دفع قضائه