للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنفس ثلاثة أنفاس

ــ

القيم في الهدي النبوي من حديث الترمذي في جامعه عنه - صلى الله عليه وسلم -: "لا تشربوا نفسًا واحدًا كشرب البعير ولكن اشربوا مثنى وثلاث وسموا إذا أنتم شربتم واحمدوا إذا أنتم فرغتم" اهـ وهو مؤيد مقو لحديث الباب. قوله: (تنفس ثلاثة أنفاس) أي خارج الإناء بأن يفصل فمه عنه فيتنفس ويحمد الله ثم يسمي ويعود إلى الإناء وهكذا ثانيًا وثالثًا كما جاء مصرحًا به في حديث إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في القدح لكن ليس الإناء عن فِيهِ، والتنفس المنهي عنه للشارب هو ما كان في نفس الإناء وعلى هذين يحمل ما جاء في التنفس من فعله - صلى الله عليه وسلم - ونهيه عنه قال ابن القيم في الهدي وفي هذا الشراب والتنفس حكم جمة وفؤائد مهمة وقد نبه - صلى الله عليه وسلم - على مجامعها بقوله أي عند مسلم في صحيحه وغيره أنه أروى وأمرأ وأبرأ فأروى أشد ريًّا وأبلغه وأنفعه وأبرأ أفعل من البرء وهو الشفاء أي يبرئ من شدة العطش ودائه لتردده على المعدة الملتهبة دفعات فتسكن الدفعة الثانية ما عجزت الأولى عن تسكينه والثالثة ما عجزت الثانية عنه وأيضًا فإنه أسلم لحرارة المعدة وأبقى عليها من أن يهجم عليها البارد وهلة واحدة ونهلة واحدة وأيضًا فإنه لا يروي لمصادفته لحرارة العطش لحظة ثم يقلع عنها ولما يكسر سورتها وحدتها وإن انكسرت لم تبطل بالكلية بخلاف كسرها

على التمهيل والتدريج وأيضًا فإنه أسلم عاقبة وأمن غائلة من تناول جميع ما يروي دفعة واحدة فإنه يخاف منه أن يطفئ الحرارة الغريزية بشدة برده وكثرة كميته أو يضعفها فيؤدي ذلك إلى فساد مزاج المعدة والكبد وإلى أمراض رديئة خصوصًا في سكان البلاد الحارة كالحجاز واليمن ونحوهما أو في الأزمنة الحارة كشدة الصيف فإن الشرب دفعة واحدة مخوف عليهم جدًّا فإن الحار الغريزي ضعيف في بواطن أهلها وفي تلك الأزمنة الحارة ومن آفات الشرب نهلة واحدة أنه يخاف منه الشرق بأن ينسد مجرى الشراب لكثرة الوارد عليه فيغص به فإذا تنفس رويدًا ثم شرب أمن ذلك وقوله: أمرأ من مرئ الطعام والشراب في بدنه دخله وخالطه بسهولة ولذة ونفع ومنه فكلوه هنيئًا مريئًا هنيئًا في عاقبته مريئًا في مذاقه، ثم من فوائد التنفس في الشرب أن الشارب إذا شرب

<<  <  ج: ص:  >  >>