وهذا أكثر في إشعارهم من أن يذكر والإخبار عن الواقع لا يدل على الجواز فضلاً عن كونه سنة كما توهمه بعضهم حتى رد هذا الحديث بقوله صح أنه -صلى الله عليه وسلم- قال في تحية الموتى:"السلام عليكم دار قوم مؤمنين" وفيه تقديم السلام وهذا أصح فوجب المصير إليه وقال آخرون بالفرق بين سلام الحي فيقدم لفظ السلام فيه وسلام الميت فيقدم الجار والمجرور فيه وهؤلاء كلهم إنما أتوا عن عدم فهم مقصود الحديث إذ قوله عليك السلام تحية الموتى ليس تشريعاً وإخباراً عن أمر شرعي بل إخبار عن الواقع المعتاد كما سبق ومثله لا يدل على جواز فضلاً عن استحباب بل نهيه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: لا تقل مع إخباره بوقوعه يدل على عدم مشروعيته وأن السنة تقديم لفظ السلام على الظرف بعده مطلقاً فيقال في الحي والميت: السلام عليكم، وكأن الذي تخيله القوم من الفرق بين الحي والميت أن الحي لما كان يتوقع منه الجواب وأن يقول: عليكم السلام قدم السلام المدعو به على المدعو له توقعاً لقوله: وعليك السلام ولما لم يتوقع ذلك من الميت قدم المدعو له على الدعاء، وهذا الفرق لو صح يقتضي التسوية بين الحي والميت في هذا المعنى فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- كما قال ابن عبد البر أنه قال: ما من رجل يمر بقبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه، وهنا نكتة لطيفة بديعة ينبغي التيقظ لها هي أن السلام شرع على الأحياء والأموات بتقديم اسمه على المسلم عليهم لأنه بدعاء بخير والأحسن تقديم المدعو به إذا كان خيراً كقوله تعالى:{رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} وتأخيره إذا كان شراً وكقوله تعالى لإبليس: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي}، وسر ذلك والله أعلم إن الخير لما كان محبوباً قدم ما يدل عليه لكونه تشتهيه النفوس ويلتذ به السمع فينده السمع ذكر الاسم المحبوب فتشرف النفس لمن هو وعلى من يحل فيأتي باسمه فيقول: عليك أو لك فيحصل له من السرور والفرح ما يبعث على التحاب والتراحم الذي هو مقصود السلام وقدم المدعو عليه في الشر للإيذان بتخصيصه بذلك فكأنه قيل لك: وحدك ذلك الشر لا شريك لك فيه غيرك والدعاء بالخير. يطلب عمومه وكلما عم الداعي كان أفضل وذكر ابن تيمية حديثاً مرفوعاً عن علي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر به وهو يدعو فقال: "يا علي عمم فضل العموم على