للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد روينا في "موطأ مالك" رحمه الله أن مالكاً سئل عمن سلم على اليهودي أو النصراني هل يستقيله ذلك؟ فقال: لا، فهذا مذهبه، واختاره ابن العربي المالكي. قال أبو سعد: لو أراد تحية ذمي، فعلها بغير السلام، بأن يقول: هداك الله، أو أنعم الله صباحك.

قلت: هذا الذي قاله أبو سعد لا بأس به إذا احتاج إليه، فيقول: صُبِّحت بالخير، أو السعادة، أو بالعافية، أو صبَّحك الله بالسرور، أو بالسعادة والنعمة، أو بالمسرَّة، أو ما أشبه ذلك. وأما إذا لم يحتج إليه، فالاختيار أن لا يقول شيئاً، فإن ذلك بَسْط له وإيناس وإظهار صورة ود، ونحن مأمورون بالإغلاظ عليهم ومنهيون عن ودِّهم فلا نظهره، والله أعلم.

فرع: إذا مرَّ واحد على جماعة فيهم مسلمون، أو مسلم وكفَّار، فالسُّنَّة أن يسلم عليهم ويقصد المسلمين أو المسلم.

ــ

يحيى عن سليمان التيمي أن ابن عمر مر برجل فسلم عليه فقيل له: نصراني فرجع إليه وقال: رد علي سلامي فقال: قد رددته عليك فقال له ابن عمر: كثر الله مالك لكن في الأولى أنه يهودي وفي هذه أنه نصراني وفي هذه زيادة ليست في تلك ولعلهما واقعتان اهـ.

قوله: (وقد روينا في موطأ مالك الخ) قال الحافظ: وقع ذلك في الرواية التي سقتها عن يحيى ابن يحيى قال: وسئل مالك عمن سلم على اليهودي والنصراني هل يستقيله ذلك قال: لا اهـ. قوله: (هل يستقيله) أي بأن يقول له: رد علي سلامي مثلاً أولاً. قوله: (ونحن مأمورون بالإغلاظ عليهم) قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} والأمة مثله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحكم. قوله: (ومنهيون عن ودهم) قال تعالى: ({لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ

وَرَسُولَه} والآية. وفي التحية المذكورة إظهار للتواد فدخلت تحت الوصف الذميم أي موادة الكفار قال تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} قوله: (فالسنة أن يسلم ويقصد المسلمين) أي يقصد اختصاص المسلمين بابتدائه بالسلام واستثناء الذمي من المسلم عليهم وظاهر عبارته

<<  <  ج: ص:  >  >>