للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ظاهر هذا الحديث أنه يجب على الجماعة رد السلام على هذا الذي سلَّم عليهم وفارقهم، وقد قال الإمامان القاضي حسين وصاحبه أبو سعد المتولي: جرت عادة بعض النّاس بالسلام عند مفارقة القوم، وذلك دعاء يستحب جوابه ولا يجب، لأن التحية إنما تكون عند اللقاء لا عند الانصراف، وهذا كلامهما، وقد أنكره الإِمام أبو بكر الشاشي الأخير من أصحابنا وقال: هذا فاسد، لأن السلام سُنَّة عند الانصراف كما هو سُنَّة عند الجلوس، وفيه هذا الحديث، وهذا الذي قاله الشاشي هو الصواب.

ــ

وكرم الأخلاق ولطف الفتوة ولطافة المروءة فإنه إذا فارقهم من غير سلام عليهم ربما يتشوش أهل المجلس من فراقهم وهو ساكت وبهذا يتبين أنه قد يقال بل الآخرة أولى من الأولى لأن تركها ربما يتسامح فيه بخلاف الثانية على ما هو المتعارف لا سيما إذا كان في المجلس مما لا يذاع ولا يشاع ولذا قيل كما أن التسليمة الأولى إخبار عن سلامتهم من شره عند الحضور فكذا الثانية إخبار عن سلامتهم من شره عند الغيبة وليست السلامة

عند الحضور أولى منها عند الغيبة بل الثانية أولى كذا في بعض شروح المشكاة. قوله: (قلت ظاهر هذا الحديث الخ) قال العاقولي: ظاهر الحديث يشعر بوجوب رد السلام على الذي يسلم للمفارقة وهو الصحيح من مذهب الشافعي وفي حديث قتادة أي وهو مرسل رواه البيهقي في الشعب إذا دخلتم بيتاً فسلموا على أهله وإذا خرجتم فردوا على أهله بالسلام قال العاقولي أيضاً هو من الإيداع أي اجعلوا السلام وديعة عندهم كي ترجعوا وهو تفاؤل بالسلامة والمعاودة لأن صاحب الوديعة يعود إلى المودع ليسترد وديعته وهو دليل على استحباب السلام على أهل المجلس عند مفارقتهم أيضاً أهـ. قوله: (ظاهر هذا الحديث) أي قوله فليست الأولى بأحق من الآخرة. قوله: (وذلك دعاء) أي والوجوب إنما هو للسلام التحية قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} فلا يدخل هذا السلام تحت الأمر المستفاد منه الوجوب قال في المرقاة وبه

<<  <  ج: ص:  >  >>