للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَعْنِيهِ" حديث حسن.

ــ

ما لا يعني من الحسن مبالغة مع الإشارة لما ذكر وعبر بالإسلام دون الإيمان لأنه من الأعمال الظاهرة والفعل والترك إنما يتعاقبان عليها لأنها حركات اختيارية يتأتيان فيها اختياراً وأما الباطنة الواجعة للإيمان فاضطرارية متابعة لما يخلقه الله في النفوس ويوقعه فيها. وقوله: (يعنيه) هو بفتح التحتية من عني بالأمر تعلقت عنايته به وكان من غرضه والذي يعني به الإنسان من الأمور ما يتعلق بضرورة حياته في معاشه مما يشبعه من جوع ويرويه من عطش ونحو ذلك مما يدفع الضرورة دون ما فيه تلذذ واستمتاع واستكثار وفي معاده هو الإسلام والإيمان والإحسان وذلك يسير بالنسبة إلى ما لا يعنيه فإذا اقتصر على ما يعنيه سلم من سائر الآفات وجميع الشرور والمخاصمات وكان ذلك من الفوائد الدالة على حسن إسلامه ورسوخ إيمانه وحقيقة تقواه ومجانبة هواه لاشتغاله بمصالحه الأخروية وإعراضه عن أغراضه الدنيوية من التوسع في الدنيا وطلب المناصب وغير ذلك مما لا يعود منه نفع أخروي فإنه ضياع للوقت الذي لا يمكن أن يعوض فائته فيما لم يخلق لأجله ثم "من" في الحديث قيل: تبعيضية ويجوز أن تكون بيانية وبيانه أن تركه ما لا يعنيه هو حسن إسلام المرء وكماله فيه وتقديم الخبر لكون التركيب من باب على التمرة مثلها زبداً قال الطيبي: وعلى أن تكون تبعيضية إشارة إلى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه" الحديث بعد الإيمان والإسلام وأنت تعلم أن التحلية مسبوقة بالتخلية فالترك بعض من الإحسان فيكون إشارة إلى الانسلاخ عما يشغله عن الله تعالى فإذا أخذ السالك في السلوك تجرد بحسب أحواله ومقاماته شيئاً فشيئاً مما لا يعنيه إلى أن يتجرد عن جميع أوصافه ويتوجه بكليته إلى الله سبحانه وتعالى وإليه

يلمح قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} وقول إبراهيم: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} اهـ، وفي الحديث إشارة إلى أن الشيء إما أن يعني الإنسان أولاً وعلى كل إما أن يعني بتركه أو بفعله فالأقسام أربعة: فعل ما يعني، ترك ما لا يعني وهما حسنان. ترك ما يعني وفعل ما لا يعني وهما قبيحان. قوله: (حديث حسن) قال ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين

<<  <  ج: ص:  >  >>