للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "لا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أنْ يَكُونَ لَعَّاناً ".

وروينا في "صحيح مسلم" أيضاً عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعاءَ ولا شُهَدَاءَ

ــ

اللعانون صديقين كذا في الترغيب للمنذري. قوله: (لا ينبغي لصديق أن يكون لعاناً) أي لا ينبغي لمن هذه صفته أن يجعل اللعنة شعاراً له وإنما جاء هنا وفيما بعده بصيغة التكثير ولم يقل لاعناً لأن الذم في الحديث إنما هو لمن كثر منه اللعن لا لمرة ونحوها ولأنه يخرج منه أيضاً اللعن المباح وهو الذي ورد به الشرع وهو {لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} لعن الله اليهود والنصارى وغيرهم ممن هو مشهور في الأحاديث الصحيحة.

قوله: (وروينا في صحيح مسلم ايضاً) ورواه أبو داود ولم يقل يوم القيامة كذا في الترغيب للمنذري. قوله: (لا يكون اللعانون) أي الذين صار اللعن شعارهم ودثارهم واشتهروا به لا يكونون (شفعاء) أي في إخوانهم الذين استوجبوا النار لأن الشفاعة طلب خلاص الغير من العذاب واللعنة طلب عذاب الغير فكيف يكون هذا وهما غيران متباينان (ولا شهداء) أي على الأمم بتبلغ الأنبياء عليهم السلام إليهم الرسالات وقيل لا يكونون شهداء في الدنيا أي لا تقبل شهادتهم لفسقهم وقيل لا يرزقون الشهادة في سبيل الله تعالى قال المصنف ففي الحديث الزجر عن اللعن وأن من تخلق به لا تكون فيه هذه الصفات الحميدة لأن اللعنة في الدعاء يراد بها الإبعاد من رحمة الله تعالى وليس الدعاء بهذا من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة بينهم والتعاون على البر والتقوى وجعلهم كالبنيان يشد بعضه بعضاً فمن دعا على أخيه المسلم باللعنة وهي الإبعاد من رحمة الله تعالى فهو من نهاية المقاطعة والمدابرة وهذا غاية ما يؤديه المسلم للكافر ويدعو عليه به وقال ابن القيم في بدائع الفوائد إنما لم يكونوا شفعاء يوم القيامة لأن اللعنة إساءة من أبلغ الإساءة والشفاعة إحسان فالمسيء في هذه الدار باللعن يسلبه الله الإحسان في الآخرة بالشفاعة فإن الإنسان إنما يحصد ما يزرع والإساءة مانعة من الشفاعة التي هي إحسان، وأما منع

<<  <  ج: ص:  >  >>