ورواه مسلم من طريقين: أحدهما هكذا، والثاني عن حفص بن عاصم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً لم يذكر أبا هريرة، فتقدَّم رواية من أثبت أبا هريرة، فإن الزيادة من الثقة مقبولة، وهذا هو المذهب الصحيح المختار الذي عليه أهل الفقه والأصول، والمحققون من المحدِّثين، أن الحديث إذا روي من طريقين، أحدهما مرسل، والآخر متصل، قدم المتصل، وحكم بصحة الحديث، وجاز الاحتجاج به في كل شيء من الأحكام وغيرها، والله أعلم.
ــ
فاعل كفى أي كفى المرء من حديث الكذب تحديثه بكل ما سمعه. وذلك لأنه يسمع في العادة الصدق والكذب فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن وقد قدمنا أن مذهب أهل الحق أن الكذب الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو ولا يشترط التعمد فيه لكن التعمد شرط في كونه إثماً فيكره الحديث بكل ما سمع لذلك فإن قلت جاء في رواية أخرى كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع وهو يقتضي حرمة ذلك فكيف قالوا بكراهيته قلت المعنى أن كل من حدث بكل ما سمع وقع في الكذب وهو لا يشعر فعبر عن الكذب بالإثم تجوزاً لكونه ملازماً له غالباً وقرينة التجوز ما عرف من القواعد أن لا إثم في الكذب إلا مع التعمد. قوله:(رواه مسلم) هذا تفصيل للإجمال في قوله أولاً وروينا في صحيح مسلم فليس تكراراً. قوله:(هكذا) أي متصلاً مذكوراً فيه الصحابي، رواه مسلم هكذا عن علي بن حفصة عن شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن علي بن عاصم عن أبي هريرة. قوله:(والثاني عن حفص بن عاصم مرسلاً) رواه مسلم وكذا من رواية معالم ابن معاذ وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن شعبة عن خبيب عن علي بن عاصم وكذا رواه غندر عن شعبة فأرسله قال الدارقطني الصواب المرسل عن شعبة كما رواه معاذ بن مهدي وغندر قال المصنف
وقد رواه أبو داود في سننه أيضاً مرسلاً ومتصلاً فرواه مرسلاً عن حفص بن عمر النميري عن شعبة ورواه