الخامس: أن لا يتكلَّف السجع، وقد فسر به الاعتداء في الدعاء، والأولى أن يقتصر على الدعوات المأثورة، فما كل أحد يُحسِنُ الدعاء، فيُخافُ عليه الاعتداء.
وقال بعضهم: ادع بلسان الذِّلَّة والافتقار، لا بلسان الفصاحة والانطلاق، ويقال: إن العلماء والأبدال لا يزيدون في الدعاء
ــ
الجهر الكثير والصياح نقله في السلاح. قوله:(أن لا يتكلف السجع فقد فسر به الاعتداء) وقيل الاعتداء طلب ما لا يليق به كرتبة الأنبياء والصعود إلى السماء وقيل الاعتداء أن يدعو بمستحيل أو بما لا يجوز الدعاء به وقيل هو الصياح في الدعاء وهو المناسب لقوله {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} وقيل ومنه الإطناب في الدعاء فقد أخرج أحمد في مسنده أن بعض الصحابة سمع أحداً يقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وأستبرقها ونحواً من هذا وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها، فقال له: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول إنه سيكون أقوام يعتدون في الدعاء وقرأ هذه الآية وقال: بحسبك أن تقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل وأخرج أبو داود أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها فقال: أي بني سل الله الجنة وتعوذ به من النار فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إنه سيكون في هذه الأمة أقوام يعتدون في الطهور والدعاء، قال الغزالي: وإنما ذم تكلف السجع من الكلام لأنه لا يلائم الضراعة والذلة وإلا ففي الأدعية المأثورة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلمات متوازنة لكنها غير متكلفة وسبقت الإشارة لهذا التفصيل في السجع مرات في كتاب أذكار الجهاد وغيره. قوله:(والأولى أن يقتصر على الدعوات
المأثورة) أي عن الكتاب والسنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم وسبق بسط زائد في هذا المعنى أول الكتاب وأعدنا منه جملة في باب جامع الدعوات. قوله:(فما كل أحد يحسن الدعاء) أي ما يعتبر فيه وله من الآداب المندوبة تارة والواجبة أخرى. قوله:(ادع بلسان الذلة) أي التذلل (والافتقار) إذ المقام من الدعاء ذلك وهو مقام العبد. قوله:(لا بلسان الفصاحة والانطلاق) أي إذا كان على وجه التكلف والتشدق أما إذا