في الهدي على استحباب التلفظ بالنية قبل تكبيرة الإحرام قيل لا بد من تقدير محذوف وهو المحصور وما قيل تقديره كوناً مطلقاً لا يفيد سبق رده فقال الأكثرون تقدر الصحة أي إنما صحة الأعمال وسائلها كالوضوء ومقاصدها كالصلاة ونحو البيع والطلاق بالنية لأن ظاهر اللفظ اقتضى انتفاء الحقيقة بانتفاء النية وهو غير واقع فقدر أقرب الأشياء إليه وهو نفي الصحة إذ هي أكثر لزوماً للحقيقة من الكمال فكان الحمل عليها أولى لأن ما كان ألزم للشيء كان أقرب حضوراً بالبال عند إطلاق اللفظ ومما يعين تقديرها أن الحصر فيها عام إلاَّ لدليل خبر لا عمل إلا بنية والخبر الصحيح إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلاَّ أجرت عليها وخبر ابن ماجة إنما يبعث الناس على نياتهم ورواه مسلم بمعناه قال الطيبي ويؤيد تقدير الصحة أنه لو كان المقدر مستقرة أو حاصلة لكان بياناً للغة والنبي - صلى الله عليه وسلم - بعث لبيان الشرع ورجح جانب الحمل على تقدير الصحة اهـ، وقد علمت مما مر أنه لا يلزم على تقدير مستقرة أو حاصلة كونه بياناً للغة فقط ففي قوله أنه لو كان المقدر إلخ ما فيه وزعم أن تقدير الصحة يؤدي إلى نسخ الكتاب بخبر الواحد غير صحيح لأن آية الوضوء إنما فيها ذكر الفروض الأربعة من غير تعرض لنفي غيرها ولا إثباته فتقدير ما يوجب إثبات خامس لا نسخ فيه على أن نسخ الكتاب بخبر الواحد جائز كما قرر في الأصول وأيضاً فالكتاب
دل على النية قال الله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[البينة: ٥] إذ الإخلاص المأمور به لا يتحقق إلاَّ بالنية وقصر العبادة على التوحيد يحتاج لدليل وقال آخرون تقديره إنما كمال الأعمال لأنه تقليل للمجاز بخلاف الأول فإن نفي الصحة يستدعي نفي الكمال وغيره فيكثر المجاز ورد بأن نفي الكمال إنما هو بعد وجود الصحة فليس في تقديرها إلاَّ مجاز واحد فلا يكثر في إيثار الحقيقة وقال آخرون تقديره إنما اعتبار أو قبول مثلاً وهو أحسن لولا ما فيه من الإيهام لأنه يحتمل الاعتبار والقبول من حيث الصحة ومن حيث الكمال فيحتاج للترجيح من خارج