حَنيفًا مُسْلِمًا وما أنا من المُشرِكِينَ، إن صَلاتي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَماتِي للهِ رَبِّ العالمِينَ
ــ
لفضلها إذ هي أفضل من الأرض على المختار لأنها لم يعص الله عليها قط وعصيان إبليس كان خارجها ولأنها تشرف جميع طباقها بقدمه - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء بخلاف الأرض فإنه لم يطأ بقدمه منها سوى العليا ولأنها محل الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم وتعقب الأخير بأن الصحيح في علم الكلام فضل نوع الإنسان على نوع الملك فلا يناسب هذا التعليل ويجاب بأن المذكور جزء علة لا علة كاملة وإلّا فالأرض سيع على الصحيح المختار واختار جمع أفضلية الأرض لأن منها طينة الأنبياء وفيها قبورهم وعليها فجمعت السموات للانتفاع بما بين طباقها بسكنى الملائكة ثمة بخلاف الأرض فإنه قيل أنها سبعة أطباق متلاصقة والله أعلم. قوله:(حَنِيفًا) حال من فاعل وجهت قال الأزهري وآخرون أي مستقيما وقال الزجاج والأكثرون الحنيف المائل ومنه أحنف الرجل مائلا عن كل وجهة وقصد إلى الحضور والإخلاص في عبادة فاطر السموات والأرض حال وهي مؤكدة لمعنى وجهت وجهي وفي المهذب الحنيف المسلم وعليه فيكون. قوله:(مُسْلَمًا) الثابت في رواية ابن حبان تأكيدا له ويمكن أن يكون تأسيسا بأن يكون معناه منقادا أو مخلصًا كما في قوله تعالى: {بَلى مَن أَسلَمَ وَجهَه لِلَّهِ}[البقرة: ١١٢] ومنه قوله تعالى لإبراهيم - عليه السلام -: {أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[البقرة: ١٣١]. قوله:(وَمَا أَنا مِنَ المُشْرِكِينَ) حال مقررة لمضمون الجملة السابقة وقيل مبينة لمعنى حنيفا وموضحة لمعناه أو مؤسسة بجعل النفي عائدا إلى سائر أنواع الشرك الظاهر والخفي لكن لا يسوغ هذا إلّا للخواص في بعض المنازلات. قوله:(إِنّ صلاتِي) في إن شائبة تعليل لما قبلها والمراد بالصلاة العبادة المعروفة. قوله:(وَنُسُكِي) أي عبادتي من النسيكة وهي النقرة المصفاة من كل خلط عطف عام على خاص. قوله:(وَمَحْيايَ وَمَمَاتِي) أي حياتي وموتي وما بعده ويجوز فيهما فتح الياء وإسكانها لكن الأكثر فتح الأول وإسكان الثاني. قوله:(لله) متعلق بالجميع أي كل ما ذكر كائن لله تعالى وذلك في الصلاة والنسك بالإخلاص لوجهه تعالى وفي الحياة والموت بمعنى أنه خالقهما ومدبرهما لا تصرف لغيره فيهما. قوله:(رَبِّ
العَالمينَ) أي مالكهم ومربيهم بسوابغ نعمه ومزايا كرمه وهم ما سوى