ظَلَمتُ نَفْسِي واعتَرفتُ بذَنبِي فاغفِر لي ذُنوبي جَمِيعًا لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلا أنتَ، واهدِني لأحسَنِ الأخْلاقِ، لا يَهدِي لأحْسَنها إلا أنتَ،
ــ
عن الإطلاق وهذا لم يستفد مما قبله بطريق التصريح وفيه طباق لمقابلة العبد بالرب أي المالك. قوله:(ظلمتُ نفسي) أي بالمخالفة واعترفت بذنبي أي وأنت الكريم العفو وقدمت هاتان الجملتان على ما بعدهما لأنهما وسيلتان للغفران كما قال تعالى عن آدم وحواء {ربنا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}[الأعراف: ٢٣ - ٢٣][الأعراف: ٢٣] الآية. قوله:(ذنوبي جَمِيعًا) أي حتى الكبائر والتبعات لأن المسئول كريم له أن يعفو عما شاء من الكبائر والتبعات فإذا أراد أن يعفو عن التبعات عوض مستحقها حتى يعفو عنها وفي الدعاء إيماء إلى قوله تعالى ({إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزمر: ٥٣] وقد قيل أنها أرجى آية في الكتاب. قوله: (لَا يغفرُ الذُّنوب) أي صغائرها وكبائرها وتبعاتها حقيرها وجليلها كما يؤذن به التعميم المستفاد من الجمع المحلى بأل إلّا أنت. قوله:(واهدِني) أي ارشدني وأوصلني. قوله:(لأَحسنِ الأخلاقِ) أي للأخلاق الحسنة الظاهرة والباطنة والخلق الحسن بضم الخاء المعجمة
ملكة في النفس نفسانية ينشأ عنها جميع الأفعال وكمال الأحوال وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - لأداء مقام العبودية والخضوع لله تعالى وإلا فهو مجبول على الأخلاق الكريمة في أصل جبلته بالفضل الوهبي والجود الإلهي من غير رياضة ولا تعب بل لم تزل أنوار المعارف تشرق في قلبه حتى اجتمع فيه من خصال الكمال ما لا يحيط به حد ولا يحصره عد ومن ثم أثنى عليه تعالى في كتابه العزيز فقال:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: ٤]{وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}[النساء: ١١٣] فوصفه بأنه عظيم في قوته العلمية والعملية وبأنه مغمور في الثانية مستغرق فيها مشتغل عن الأولى ووصف بالعظيم مع أن الغالب وصف الخلق بالدماثة والسماحة إشارة إلى أن خلقه - صلى الله عليه وسلم - لم يقصر على ذلك بل كان رحيما بالمؤمنين رؤوفًا بهم شديدًا على الكفار غليظًا عليهم كما قيل:
يتلقى الندا بوجه صبيح ... وصدور القنا بوجه وقاح
فبهذا وذا تتم المعاني ... طرق الجد غير طرق المزاح
أو على سبيل التعليم للأمة. قوله:(لا يَهدِي لأحسَنِها إلا أَنتَ) لعجز الخلق طرا