للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} (١). وهذه الآية نزلت في تسعة من المنافقين منهم مخرمة بن زيد القرشي هاجروا من مكة إلى المدينة فندموا فرجعوا إلى مكة بغير إذن النبي - صلى الله عليه وسلم- وكتبوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- إنا على ما كنا عليه، ولكنا اشتقنا إلى بلادنا وإخواننا وأهلنا، ثم خرجوا تجاراً إلى الشام، واستبضعهم أهل مكة بضائع وقالوا: أنتم على دين محمد فلا بأس عليكم من أصحابه، فبلغ أمرهم إلى المسلمين فقال بعضهم: نخرج إليهم فنقاتلهم ونأخذ ما معهم لأنهم تركوا دار الهجرة وصاروا عدواً لنا وقال بعضهم: ما حلت لنا دماؤهم ولا أموالهم، والنبي - صلى الله عليه وسلم- ساكت فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} (٢) أي تختصمون {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ} فردهم إلى الكفر {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ} عن دينه {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا} (٣)، وهذا يدل على إضلال الله لهم في الدين بالدنيا؛ لأن المسلمين أرادوا هدايتهم في الدين بالدنيا (٤) فرد الله ذلك عليهم وأخبر (٥) الله عنهم أنهم ودوا كفر (٦) المسلمين وهذا كله في الدين بالدنيا.

وأما قول المخالف بقوله: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} (٧) أنه أراد (٨) به العقاب في الآخر فغير مسلم، ولم يقل أحد من أهل اللغة ولا من المفسرين أنه أراد بالإضلال هاهنا العقوبة، بل قالوا: إنهم في ضلال بالدين ويقال: في شغل وعناء (٩)، ونزلت في المكذبين في القدر. وروى ابن زرارة


(١) النساء آية (٨٨).
(٢) روى ابن جرير بسنده عن مجاهد نحو هذا إلا أنه لم ينص على اسم أحد من المنافقين ولا عددهم ولا أنهم كتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: تفسير ابن جرير ٥/ ١٩٣.
(٣) النساء آية (٨٩).
(٤) في - ح- (والدنيا).
(٥) في - ح- (فأخبر).
(٦) (كفر) ليست في الأصل وأثبتها من - ح -.
(٧) القمر آية (٤٧).
(٨) في - ح- وارد.
(٩) ذكر القول الأول القرطبي، والقول الثاني ذكره ابن جرير عن قتادة. انظر: تفسير القرطبي ١٧/ ١٤٧، تفسير ابن جرير ٢٧/ ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>