للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب عن الأول أنه كره إضافة الرأي إلى الله، لجواز أن يكون أخطأ برأيه على ما مضى (١).

وأما حديثه الثاني: فلم يذكره أحد من أصحاب الحديث المشهورين فيجب إثبات سنده (٢)، وإن صح عنه ذلك فإنه محمول على أن السارق أنكر على عمر قطع يديه مع كون ذلك بقضاء الله وقدره (٣)، إذ لو لم يكن بقضاء الله سبحانه لا ستحق القائل به أكثر من ضرب العشرين (٤)، والذي رواه أصحاب الحديث الصحاح عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: "اللهم إن كنت كتبتني في السعادة فأثبتني فيها، وإن كتبتني على الشقاوة فامنحني منها وأثبتني في السعادة فإنك تمحو مت تشاء وتثبت وعنده أم الكتاب" (٥).

وروي أن عمر - رضي الله عنه - خرج من المدينة إلى الشام ومعه جماهير الصحابة من المهاجرين والأنصار حتى قدم دمشق، فأخبر أن الطاعون وقع بالشام، فخاف عمر أن يتقدم بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فاستشار الصحابة بذلك


(١) على ما مضى من الكلام على قول أبي بكر - رضي الله عنه - ص ٤٩٦.
(٢) ولم يصح كما تقدم.
(٣) وهذا الاحتجاج من السارق باطل لأن احتجاجه بالقدر على المعصية من جنس احتجاج المشركين بالقدر الذين عابهم وكذبهم بقوله عز وجل: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَخْرُصُونَ}.
(٤) لعل مراد المصنف بهذا أن السارق لو كان منكراً للقضاء والقدر لقتله عمر - رضي الله عنه - لأنه سيأتي قوله للجاثليق ص ٥٠٠ لما أنكر أن يضل الله أحدأً: "أما والله لولا عهد لك لضربت عنقك".
(٥) أخرجه الطبري في تفسيره ١٣/ ١١٨، واللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة ٤/ ٦١٤.
وهذا القول من عمر - رضي الله عنه - يدل على أنه يرى أن المحو يكون حتى للشقاوة والسعادة وهو خلاف ما روي عن ابن عباس مما تقدم ص ٤٩٠ من أن المحو لا يدخل على الملائكة من الكتب، أما ما في اللوح المحفوظ فهو ثابت لا يتغير ولا يتبدل وهو المراد بقوله: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>