للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن تمويه القدرية في الاستدلال على أن القرآن مخلوق أن قالوا: ق سمى الله القرآن أمراً بقوله تعالى: {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ} (١)، وقال في آية أخرى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} (٢)، {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} (٣). والمفعول والمقدور عبارة عن المخلوق (٤).

والجواب أنه لم يرد بالأمر هاهنا قوله، وإنما أراد به ما أحدثه الله في الأرض من الأمور، وهو نكاح النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة زيد بن حارثة (٥)، وعقوبته لأهل السبت من اليهود (٦) لأن العرب تسمي الشيء باسم سببه فلا مُكَوَنَ ولا مفعول إلا بأمر الله وهو قوله للشيء (كن فيكون)، والفعل يسمى أمراً.

قال الشاعر:

فقلت لها أمري إلى الله كله … وإني إليه في الإياب لراجع (٧)

يريد فعلي وشأني، وهذا الأمر يجمع أموراً، والأمر من القول يجمع أوامر (٨). وهذا يدل على أن أمر الله الذي هو القول ليس بمخلوق قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ} (٩) أي بقوله، فلو كان أمره يقوم بأمر غيره لأدى ذلك إلى ما لا يتناهى وذلك محال.

واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} (١٠) والجعل عبارة عن


(١) الطلاق آية (٥).
(٢) النساء آية (٤٧٠).
(٣) الأحزاب آية (٣٨٠).
(٤) ذكر هذا الاستدلال عنهم الباقلاني في التمهيد ص ٢٨١ على طريق السؤال.
(٥) في الأصل (زيد بن أرقم) وهو خطأ وفي - ح- عدلت من أرقم إلى حارثة.
(٦) وذلك لأن الآية وارد فيهم وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً}.
(٧) بحثت عنه فلم أقف عليه.
(٨) ذكر هذا الجواب بنحو ما ذكر هنا الباقلاني في التمهيد ص ٤٨١.
(٩) الروم آية (٢٥).
(١٠) الزخرف آية (٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>