للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الدليل على ما ذكرناه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على المذنب وعلى غير المذنب من أمته، وكذلك أصحابه وإلى يومنا هذا، فلو كان الميت المذنب لا يشفع فيه ولا ينفعه الدعاء لما كان للصلاة عليه معنى.

فإن قيل: فقد رويتم أن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع من الصلاة على من عليه درهمان ديناً (١)، فلو قبلت شفاعته في الكبائر لكان في الدرهمين أولى.

والجواب: أن هذا كان في أول الإسلام، ثم بعد ذلك لم يمتنع من الصلاة على أحد، فما داوم عليه من الفعل أولى.

ويحتمل أن يكون امتناعه من الصلاة عليه ليعلمهم أن حقوق بني آدم لا بد من قضائها، وأن السيئات التي بين العبد وبين الله إذا غفرها الله فإنه يبدل السيئات حسنات، ومن مات وعليه دين فإنه يؤخذ من حسناته وتجعل لمن له الدين، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يصلوا على ذلك الميت.

وقال: "صلوا على صاحبكم" (٢)، فلو لم تنفعه صلاتهم عليه لكان أمره لهم بالصلاة عبثا. (٣)


(١) روى الحاكم وغيره عن جابر - رضي الله عنه - قال: "مات رجل فغسلناه وكفناه وحنطناه ووضعناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل، ثم آذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه فجاء معنا خُطَىَ ثم قال: لعل علي صاحبكم ديناً، قالوا: نعم ديناران، فتخلف، فقال له رجل منا يقال له أبو قتادة: يا رسول الله هما عليّ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هما عليك وفي مالك والميت منهما بريء فقال: نعم فصلى عليه. . . " الحديث. المستدرك ٢/ ٥٨. وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وأخرجه حم. ٣/ ٣٣٠ قال الألباني في أحكام الجنائز ص ١٦: "إسناده حسن".
(٢) ورد هذا في رواية سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة ليصلى عليها فقال: هل عليه من دين فقالوا: لا فصلى عليه ثم أتي بجنازة أخرى فقال: هل عليه دين قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم. قال أبو قتادة: عليّ دينه يا رسول الله، فصلى عليه". أخرجه خ. في الكفالة (ب من تكفل عن ميت ديناً" ٣/ ٨٤.
(٣) قال ابن القيم - رحمه الله -: "وكان إذا قدم عليه ميت يصلي عليه سأل هل عليه دين أم لا؟، فإن لم يكن عليه دين صلى الله عليه وسلم عليه، وإن كان عليه دين لم يصل عليه، وأذَن لأصحابه أن يصلوا عليه، فإن صلاته شفاعة وشفاعته صلى الله عليه وسلم موجبة، والعبد مرتهن بدينه ولا يدخل الجنة حتى يقضى عنه، فلما فتح الله عليه كان يصلي على المدين ويتحمل دينه، ويدع ماله لورثته". انظر: زاد المعاد ١/ ٥٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>