للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عذبهم على الصغائر ظلمهم (١)، ومن لا تستحق عليه العقوبة على الصغير أو من لا ذنب له لا معنى للشفاعة له، لأن الشافع يقول يا رب لا تظلمه ولا تعذبه على ما لا يستحق العذاب عليه، وهذا لا يليق بالنبيين والملائكة، فثبت أنهم إنما يشفعون لمن استحق العقاب من الموحدين فإن قالوا: فقولوا: إنهم يشفعون للكفار (٢) وإن لله يوصف بأن (٣) يدخل الكفار الجنة.

والجواب: أنا نقول: أما في العقل فلا يستحل أن الله يدخل الكفار الجنة، لأن ذلك إنعام من الله وتفضل على خلقه، وقد أنعم عليهم في الدنيا والداران مكله، فما لم يستحل منه في الدنيا لم يستحل منه في الآخرة، إلا أن القرآن والسنة قد وردا بخلاف ذلك، فأخبر أنه لا يغفر لمن أشرك به، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يدخلهم الجنة ولا تنفعهم شفاعة الشافعين، واجمعت الأمة على قبول هذه الأخبار وموجبها.

فإن قالوا: فإذا كانت الشفاعة تقبل في أهل الكبائر، فمات تقولون فيمن حلف بطلاق امرأته ثلاثاً ليعمل ما تنال به الشفاعة، فما تأمرونه بعمل لئلا تطلق عليه امرأته، أتأمرونه أن يعمل بالمعاصي، فهذا لا يجوز، أم لا تأمرونه بذلك؟ فما المخرج له حتى لا تطلق عليه امرأته؟.

فالجواب: أنا لا نأمره بعمل المعصية وإنما نأمره بالإرزاء (٤) بهذا السائل، لأنه أورد سؤاله هذا على سبيل الشناعة لجهله بالأخبار الواردة في الشفاعة، ونأمره بأن يتعلم الرد على القدرية والإستقامة على الإيمان، لأن ذلك طاعة لله والشفاعة إنما هي للمؤمنين على ما ابتلوا به من المعاصي،


(١) انظر: حكاية هذا عنهم فيما تقدم ص ٦٦٨.
(٢) في الأصل (بالكفار) وما اثبت من - ح -.
(٣) هكذا في كلا النسختين.
(٤) الإزراء: الإنتقاض. انظر: اللسان ٣/ ١٦٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>