للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختلف أهل الزيغ في ذلك فمنهم من قال: إن معرفة الخلق لله حصلت ضرورة (١) ومنهم من قال: إن معرفة الخلق لله طباع (٢)، ومنهم من قال: إن معرفة الله تقع بعد البلوغ من غير تطويل بفعل الله فيه (٣)، ومنهم من قال: إن المعرفة في ذلك ليس باضطرار ولا اختيار ولا كسب وإنما هي فعل لا فاعل لها (٤)، وجميع هؤلاء يقولون: إن معرفة الله لا يصح الأمر بها، وأحالوا الأمر بها جملة، وهذه الفرق كلها فرق المعتزلة وهم موافقون للبراهمة في قولهم إنهم يستغنون بما في عقولهم عن الرسل وإرشادهم (٥)، ولهذا (٦) أبطلت المعتزلة والقدرية كثيراً من ظاهر (٧) القرآن والسنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لما خالفت عقولهم الفاسدة، وأولوا ذلك على خلاف مقتضاها.

والدليل على صحة ما قلنا قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (٨)، ولم يخل العقلاء من رسل يدعونهم إليه ويدلونهم بآيات


(١) عزا هذا القول الإسفرائيني إلى أبي الهذيل العلاف، وقال شيخ الإسلام عن هذه المعرفة: "إن جمهور طوائف المسلمين قالوا إنها يمكن أن تقع ضرورة ويمكن أن تقع بالنظر، بل قال كثير من هؤلاء إنها تقع بهذا تارة وبهذا تارة". انظر: الفرق بين الفرق ص ١٢٩، درء تعارض العقل والنقل ٧/ ٣٥٤.
(٢) قال بهذا من المعتزلة أيضاً الجاحظ وأبو علي الأسواري. انظر: المغني لعبد الجبار ١٢/ ٣١٦، شرح الأصول الخمسة ص ٥٢.
(٣) لعل المراد بهذا أن معرفة الله وقعت بالإلهام وهو قول ذكره عبد الجبار المعتزلي في المغني ١٢/ ٢٣٠، وعزاه شيخ الإسلام إلى كثير من أهل الكلام والصوفية والشيعة وصالح قبة وفضل الرقاشي وهما من المعتزلة. انظر: درء تعارض العقل والنقل ٧/ ٣٥٣.
(٤) لم يتبين لي قائل هذا مع أن من المعتزلة كالقاضي عبد الجبار من صرح بأن معرفة الله مكتسبة والقائلون منهم بأنها ضرورية يوجبون العقاب ولو لم يبعث الله الرسل. انظر: شرح الأصول الخمسة ص ٥٢، الملل والنحل للشهرستاني ١/ ٥٢ - ٧٠.
(٥) تقدم الكلام على هذا - ص ١١٧ أول الكتاب.
(٦) في - ح - (ولهذا المعنى).
(٧) في - ح - (ظوهر).
(٨) الإسراء آية (١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>