للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يظهرها لهم أو يخاطبهم بل واسطة (١) كمخاطبته لملائكته الذين هم السفرة بينه وبين رسله، ومعرفتهم له إما بمشاهدة منهم له أو بما يجري مجرى المشاهدة مما هو أعلم بما تقع لهم المعرفة به معرفة قطعية (٢)، وعلى هذا الأمر جرى الأمر لآدم صلى الله عليه وسلم لما خلقه بيده واسكنه جنته وقال له: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّة} (٣) فأرشده إلى ما أباحه له، وزجره عما نهاه عنه، وعلمه الأسماء وما يتضمنه (٤) كل اسم من المعنى، ثم قضى عليه ما وقع منه وأخرجه من الجنة إلى الدنيا واخبر سبحانه عما كان منه إليه بقوله: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} (٥) والنسيان إنما يكون من المكلفين فيما سبق عليهم فيه الأمر فأهبطه الله إلى الأرض بعد أن غفر له زلته، وجعله رسولاً إلى أولاده يرشدهم إليه ويدلهم على طرق الاستدلال عليه، فانقادوا لطاعته، وحصلت لهم المعرفة بالله بما نبههم عليه، فقبض بعد أن أوضح لهم السبيل، وأبان لهم الدليل، وجعلهم الحجة على ما يأتي بعده من أولادهم، واستحفظهم حجج الله، ووكلّهم بنقل ذلك إلى من بعدهم، فأقاموا على ذلك لا تلحقهم سآمة في نقله، فلما طال العهد وضعفت البصائر وثب الشيطان ودعاته يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً، فبعث إليهم رسولاً يذكرونهم ما نسوا من العهد، ويدعونهم إلى ما أغفلوا من طاعة ربهم، ولم (٦) يُخْلِ الله عصراً من قائم بحجة، وأمرهم باتباعه قال الله


(١) يعني أو يخاطب الله رسله بلا واسطة وهو التكليم كما وقع لموسى عليه السلام والنبي صلى الله عليه وسلم في المعراج وهو التكليم من رواء حجاب الوارد في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} الشورى آية (٥١).
ويقصد هنا بيان أن المعرفة التي تقع للأنبياء عليهم السلام معرفة مكتسبة إما عن طريق الآيات التي يظهرها الله، أو عن طريق التكليم، لكن هذا لا يدل على عدم وجود معرفة فطرية سابقة.
(٢) المراد بهذا معرفة الملائكة عليهم السلام لربهم عز وجل.
(٣) البقرة آية (٣٥)، الأعراق آية (١٩).
(٤) في - ح - (مما يتضمنه).
(٥) طه آية (١١٥).
(٦) في الأصل (ولن) وما أثبت من - ح -.

<<  <  ج: ص:  >  >>