للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يجهر فيهما بالقراءة- فدل على أنها ليست جمعة، ودل على أن المسافر لا يصلي الجمعة-، ثُمَّ أقام، فصلى العصر ركعتين جمعًا وقصرًا.

ثم استقبل القبلة، قال: ((فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ) أي: لما وقف بعرفة عليه الصلاة والسلام جعل جبل إلال- وهو المسمى جبل الرحمة- بينه وبين القبلة، وجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل الجبل بين يديه، ولم يزل عليه الصلاة والسلام واقفًا رافعًا يديه يدعو، ويتضرع إلى الله عز وجل حتى غربت الشمس، حتى إنه عليه الصلاة والسلام كان آخذًا بزمام ناقته، فلما سقط زمام الناقة أخذ الزمام بيده الأخرى، والأخرى بقيت مرفوعة عليه الصلاة والسلام.

والوقوف معناه: الوجود على أرض عرفة، سواء أكان واقفًا، أو جالسًا، حتى لو كان نائمًا يسمى واقفًا.

ولم يزل عليه الصلاة والسلام واقفًا متضرعًا حتى غربت الشمس، واستحكم غروبها، وغاب قوس الشمس، ثُمَّ دفع إلى مزدلفة، وخالف هديُه هديَ المشركين عليه الصلاة والسلام؛ لأن المشركين كانو ينصرفون من عرفة إذا صارت الشمس فوق الجبال كعمائم الرجال، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ((فَخَالَفَ هَدْيُنَا هَدْيَ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ»)) (١) وجعل يقول للناس: ((أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ)) (٢)، أي: ارفقوا؛ فإن البر ليس بالإسراع حتى لا يضر بعضهم بعضًا.

وكان صلى الله عليه وسلم إذا وجد متسعًا أرخى الزمام لناقته حتى تصعد، وأكثر من التلبية في طريقه عليه الصلاة والسلام إلى عرفة، وأردف أسامة بن زيد وجعله خلفه، وهذا من حسن خلقه عليه الصلاة والسلام، خلافًا للمتكبرين الذين يأنفون من الإرداف.

فلما وصل مزدلفة أمر المؤذن فأذن، ثُمَّ صلى المغرب ثلاث ركعات، ثُمَّ أمر بأن تحط الرحال عن الإبل، ثُمَّ أقيمت صلاة العشاء، ففصل بين الصلاتين بحط الرحال، وليس بينهما سبحة، يعني: لم يصلِّ بينهما نافلة،


(١) أخرجه أبو داود في المراسيل (١٥١).
(٢) أخرجه البخاري (١٦٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>