ثُمَّ نام عليه الصلاة والسلام من أول الليل؛ ليكون ذلك أعون له على أداء الوظائف يوم العيد، ولا يمنع هذا من كونه أوتر، وإن لم يكن في حديث جابر رضي الله عنه؛ لأنه معروف عليه الصلاة والسلام أنه لا يترك الوتر حضرًا، ولا سفرًا.
ثم لما تبين له الفجر صلى الله عليه وسلم صلى الراتبة، ثُمَّ صلى الفجر في أول وقتها مبكرًا على غير المعتاد؛ ولهذا قال ابن مسعود:((مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةً إِلَّا لِمِيقَاتِهَا، إِلَّا أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، وَصَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَئِذٍ لِغَيْرِ مِيقَاتِهَ)) (١)، يعني: في غير ميقاتها المعتاد، وليس المراد أنه صلاها قبل الوقت، والحكمة في ذلك حتى يتسع وقت الوقوف.
وقوله:((حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ)): يعني: لما وصل الجمرة رماها بسبع حصيات متعاقبات من بطن وادي، يكبر مع كل حصاة.
وقد قال العلماء: إذا وصل وادي محسر يسرع قدر رمية حجر.
واختلفوا في السبب:
فقيل: لأن هذا المكان عُذِّب فيه أصحاب الفيل.
والصواب: أن المكان الذي عُذِّب فيه أصحاب الفيل هو مغمس.
ثم بعد ذلك ذبح الهدي عليه الصلاة والسلام ونحر بيده الشريفة ثلاثًا وستين بدنة، على قدر سني عمره عليه الصلاة والسلام يطعنها بالحربة في الوهدة وهي قطع العروق في أسفل العنق عند الصدر، وبهذا يفترق عن الذبح؛ لأن القطع في أعلى العنق، والنحر في أسفله، وتكون الإبل قائمة معقودة يدها اليسرى، أي: قائمة على ثلاث أرجل، ثُمَّ أمر عليًّا رضي الله عنه فنحر ما بقي وهي سبعٌ وثلاثون، ثُمَّ أمر عليه الصلاة والسلام بأن يؤخذ له من كل بدنة قطعة من اللحم، وجُعلت في قِدر، فطُبخت، فأكل شيئًا منها، وشرب من مرقها، ثُمَّ أمر ببقيتها فوزعت لحومها وجلودها