للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا كساء، وهكذا كان حاله صلى الله عليه وسلم في الدنيا، لا لهوانه على الله، ولكن لعظم أجره، وليرفع الله درجته عليه الصلاة والسلام، فكان عليه الصلاة والسلام صابرًا شاكرًا، إن كان عنده شيء شكر الله، وإن لم يكن عنده شيء صبر؛ فهو إمام الشاكرين، وإمام الصابرين، والله تعالى له الحكمة البالغة في ذلك، فقد جاء في الحديث، ((عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا، فَقُلْتُ: لَا. يَا رَبِّ وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا، وَأَجُوعُ يَوْمًا- أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ- فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ حَمِدْتُكَ وَشَكَرْتُكَ)) (١).

وقوله: ((فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَشُقُّ عَلَيْكَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ، فَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَكَ، وَمَلَائِكَتَهُ، وَجِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَأَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَكَ، وَقَلَّمَا تَكَلَّمْتُ وَأَحْمَدُ اللَّهَ بِكَلَامٍ إِلَّا رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ يُصَدِّقُ قَوْلِي الَّذِي أَقُولُ)): هذا من الموافقات التي وافق عمر فيها ربه؛ فإن عمر رضي الله عنه له موافقات، فقد جاء في الحديث أن عمر رضي الله عنه قال: ((وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ فَنَزَلَتْ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، وَآيَةُ الْحِجَابِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ)) (٢)، وله موافقات أخرى رضي الله عنه.

وقوله: ((فَلَمْ أَزَلْ أُحَدِّثُهُ حَتَّى تَحَسَّرَ الْغَضَبُ عَنْ وَجْهِهِ وَحَتَّى كَشَرَ فَضَحِكَ)): هذا من فضائل عمر رضي الله عنه أنه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حزينًا مهمومًا أراد أن يحدِّثه حتى يزول الغضب عن وجهه.

وقوله: ((وَنَزَلْتُ فَنَزَلْتُ أَتَشَبَّثُ بِالْجِذْعِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنَّمَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ)): هذا الجذع كالدرج، ينزل عليه ويرقى عليه، حتى يخرج إذا أراد الخروج، أو يدخل إذا أراد الدخول.

وفيه: مشروعية التكبير عند حدوث السرور، فلما أشاع الناس أن النبي


(١) أخرجه أحمد (٢٢١٩٠)، والترمذي (٢٣٤٧).
(٢) أخرجه البخاري (٤٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>