للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقولها: ((فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ) يعني: ظاهرة واضحة، وكانت مدة الرؤيا ستة أشهر من ربيع إلى رمضان، حتى جاءه الوحي بغتةً، فنزل عليه جبريل عليه السلام وهو بغار حراء.

والظاهر: أن عبادته صلى الله عليه وسلم كانت على ما عَلِمَ من دين إبراهيم عليه السلام، فيصلي على ما بلغه، وكانوا في الجاهلية يتوارثون أشياء من دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وكان هذا على رأس الأربعين من عمره عليه الصلاة والسلام.

قوله: ((مَا أَنَا بِقَارِئٍ)): ليس هذا امتناعًا منه عليه الصلاة والسلام، وإنما هذا بيان له أنه لم يتعلم القراءة والكتابة، والمعنى: لست قارئًا، وما تعلمتُ القراءة؛ فقد كان أميًّا عليه الصلاة والسلام.

وقوله: ((فأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ) يعني: عصرَه وضمَّه حتى بلغ منه المشقة، فعل هذا ثلاث مرات، والحكمة من ذلك- والله أعلم- حتى يتهيأ ويستعد لتحمل أعباء الرسالة، والقيام بثقلها، كما أن رعيه صلى الله عليه وسلم للغنم قبل ذلك كان فيه- أيضًا- تمرين له، وتدريب على سياسة الأمة، فهو ينتقل من سياسة الغنم ورعايتها إلى سياسة الأمة ورعايتها، فكذلك هنا غطَّه جبريل، وضمه، وعصره؛ كي يتهيأ ويتحمل همَّ هذا العبء الثقيل، والرسالة وتكاليفها، والدعوة وتبليغ الناس، وهذا كله يحتاج إلى جهد وتحمل.

وقوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}: فيه: دليل على أن هذا أول ما نزل من القرآن،

وبهذا كان نبينا عليه الصلاة والسلام نُبِّئ بـ {اقرأ}، ثم بعد ذلك فتر الوحي، ونزل {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، فكان بذلك رسولًا عليه الصلاة والسلام، فقد نُبِّئ بـ {اقرأ}، وأُرسل بـ {المدثر} عليه الصلاة والسلام.

وقوله: ((فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ) يعني: ترعد وتضطرب ركائزه من شدة وهوْل ما رآه، فلقد رأى جبريل على

<<  <  ج: ص:  >  >>