عداوة المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم ولأتباعه، ولمن يريد أن يسلم.
وقوله:((وَلَقَدْ لَبِثْتُ يَا ابْنَ أَخِي ثَلَاثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ)): هذا من العجائب! فقد لبث ثلاثين بين يوم وليلة، يعني: خمسة عشر يومًا وخمس عشرة ليلة، ليس له طعام إلا ماء زمزم، ومع ذلك يقول: إنه سمن حتى تكسرت عكن بطنه من السمن، والعُكَن: جمع عكنة، وهو الطي في البطن من السِّمَنِ، ومعنى تكسرت: انثنى وانطوى لحم بطنه.
وقوله:((فَبَيْنَا أَهْلِ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانَ، إِذْ ضُرِبَ عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ، فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ، وَامْرَأَتَيْنِ مِنْهُمْ تَدْعُوَانِ إِسَافًا وَنَائِلَةَ)): إِضْحِيَانَ- بكسر الهمزة- أي: مضيئة، يعني: ناموا في ليلة من الليالي المضيئة، فجاء للكعبة والناس قد ضُرب على أسمختهم، جمع سماخ: وهو الخرق الذي في الأذن يفضي إلى الرأس، يقال: صماخ وسماخ، والصاد أفصح وأشهر، والمراد بأسمختهم هنا: آذانهم، أي: ناموا، فهو لم يجد في الكعبة إلا امرأتين على الصفا والمروة، فحصل بينه وبينهما كلام، وعادة البيت الحرام ألَّا يخلو من طائف ليلًا أو نهارًا.
وإساف ونائلة: صنمان للعرب، وضعوا أحدهما على الصفا، والآخر على المروة، وأصلهما: أن رجلًا اسمه إساف، وامرأة اسمها نائلة فَجَر أحدهما بالآخر وفعلوا الفاحشة، فمسخهما الله حجرين، فأخذتهما قريش ووضعتهما على الصفا والمروة؛ ليعتبر الناس بهما، ثم طال الأمد فصارا صنمين يُعبدان من دون الله.
وقوله:((فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا، فَقُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الْأُخْرَى قَالَ: فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا))، يعني: مرت المرأتان عليه وهما تطوفان فقال- منكِرًا عليهما-: أنكحا أحدهما الآخر، أنكحا إسافًا نائلةً إن كانا يعقلان، يقوله من باب السخرية بهما، يعني: كيف تدعوان حجرين؟ ! فاستمرتا في دعائهما