للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقوله: ((مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)) (١) فَقُرب الشيء من الشيء مستلزم لقرب الآخر منه؛ لكن قد يكون قرب الثاني هو اللازم من قرب الأول، ويكون منه- أيضًا- قرب بنفسه.

فالأول: كمن تقرب من مكة، أو من حائط الكعبة، فكلما قرب منه قرب الآخر منه، من غير أن يكون منه فعل.

والثاني: كقرب الإنسان إلى من يتقرب هو إليه، كما في هذا الأثر الإلهي، فتقرب العبد إلى الله وتقريبه له نطقت به نصوص متعددة، مثل: قوله تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب} ونحو ذلك، فهذا قرب الرب نفسه إلى عباده، وهو مثل نزوله إلى سماء الدنيا، وفي الحديث الصحيح: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ ! )) (٢)، فهذا القرب كله خاص في بعض الأحوال دون بعض، وليس في الكتاب والسنة- قط- قرب ذاته من جميع المخلوقات في كل حال؛ فَعُلِمَ بذلك بطلانُ قول الحلولية؛ فإنهم عمدوا إلى الخاص المقيد فجعلوه عامًّا مطلقًا؛ كما جعل إخوانهم الاتحادية ذلك في مثل قوله: ((كُنْتُ سَمْعَهُ)) (٣) وقوله ((فيأتيهم في صورة غير صورته)) (٤)، و ((أن الله تعالى قال على لسان نبيه سمع الله لمن حمده)) (٥) وكل هذه النصوص حجة عليهم. فإذا تبين ذلك؛ فالداعي والساجد يوجه روحه إلى الله تعالى، والروح لها عروج يناسبها، فتقرب إلى الله بلا ريب بحسب تخلصها من الشوائب فيكون الله عز وجل منها قريبا قُربًا يلزم من تقربها؛


(١) أخرجه البخاري (٧٤٠٥)، ومسلم (٢٦٧٥).
(٢) أخرجه مسلم (١٣٤٨).
(٣) أخرجه البخاري (٦٥٠٢).
(٤) أخرجه البخاري (٧٤٣٩)، ومسلم (١٨٢).
(٥) أخرجه مسلم (٤٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>