للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السَّلَامَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَنَّ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ قَالَ: فَسَكَتَ، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ)): أبو قتادة ابن عم كعب رضي الله عنهما، وكان أحب الناس إليه، ومع ذلك لم يرد عليه السلام لما سلم عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الناس عن كلام هؤلاء الثلاثة، فهم ملتزمون بهذا، وطاعة الله ورسوله مقدمة على المحبة الطبيعية.

وفيه: أنه يشرع هجر العاصي حتى يتوب زجرًا له وتأديبًا، وليس هناك حد محدد للهجر هنا، بل يُهجَر حتى يتوب، هذا إذا كان الهجر من أجل الدين، أما إذا كان الهجر من أجل الدنيا، ومن أجل حظوظ النفس فإن الهجر لا يزيد عن ثلاثة أيام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ)) (١)؛ لأن النفس قد يحصل فيها شيء من التكدر بسبب ما يحصل بينه وبين أخيه من الشحناء، فأبيح ثلاثة أيام حتى يزول ما في نفسه، أما إذا كان الهجر من أجل الدين فليس له حد؛ ولهذا هجر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم خمسين ليلة حتى تاب الله عليهم.

ولكن هجر العاصي إنما يكون إذا كان الهجر يردعه، أما إذا كان الهجر يزيده شرًّا، أو لا يفيد فلا يهجر، بل يُستمر على نصيحته، فبعض الناس إذا هجرته فرح وصار يزيد في المعاصي، وإذا لم تهجره يراعيك ويخفف من المعاصي ويتستر؛ ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يهجر المنافقين الذين تخلفوا في تبوك، وإنما هجر هؤلاء الثلاثة، فالهجر كالدواء يستعمل إن كان يفيد.

وفيه: دليل على أنه إذا سئل الإنسان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الله ورسوله أعلم، أما بعد وفاته فيقال: الله أعلم؛ وهذا أيضا كما في حديث معاذ رضي الله عنه لما قال له صلى الله عليه وسلم: ((يَا مُعَاذُ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ؟ )): قَالَ: اللَّهُ


(١) أخرجه البخاري (٦٢٣٧)، ومسلم (٢٥٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>