وقوله:((إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ قَالَ: فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا، أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لَا بَلِ اعْتَزِلْهَا، فَلَا تَقْرَبَنَّهَا قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ)): وهذا من زيادة الابتلاء والامتحان، فقد ابتلي هؤلاء الثلاثة، ونهي الناس عن كلامهم، فلما مضى أربعون ليلة جاءهم أمر آخر بأن يجتنب كل واحد منهم امرأته ولا يجامعها؛ ولهذا قال له: أُطلقها؟ قال لا، لا تقربها.
وقوله:((فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ)): وهذا من الكناية، ففيه: أن الكناية لا تكون طلاقًا إلا بنية، فإذا قال لامرأته: كوني عند أهلك، أو اخرجي من البيت، فهذه كناية إن قصد الطلاق بها وقع، وإن لم يقصد فلا.
وقوله:((فَجَاءَت امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ، لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لَا يَقْرَبَنَّكِ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ، وَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا قَالَ: فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي امْرَأَتِكَ، فَقَدْ أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ قَالَ: فَقُلْتُ: لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا يُدْرِينِي مَاذَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)): فيه: دليل على أن أهلهم لم يهجروهم؛ ولهذا كلم بعض أهل كعب كعبًا، وقالوا له: لو استأذنتَ رسول الله؟ فهذا دليل على أنهم كانوا يكلمونهم.
وكذلك امرأة هلال بن أمية رضي الله عنهما جاءت إلى النبي وقالت: يا رسول الله، إن هلال رجل ضائع، فهل تكره أن أخدمه؟ فهي تخدمه وتكلمه، ولا تهجره؛ لأنه مضطر إلى كلامها ومخاطبتها.
ويحتمل أن الذي كلم كعبًا زوجته، أو بعض أولاده الذين لم يهجروه،