وفيه: كمال حزم كعب رضي الله عنه، فإنه لما قال له بعض أهله: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تبقى عندك زوجتك، قال: لا، هلال بن أمية رجل شيخ يحتاج زوجته أن تخدمه، أما أنا فشاب قوي أخدم نفسي، وقد لا أملك نفسي، ويقول- أيضًا-: لا أدري ماذا يرد عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم لو استأذنته؛ لأن حالي غير حال هلال.
وكونه شيخًا ضائعًا ليس ذلك عذرا له؛ وإلا لعذره النبي صلى الله عليه وسلم، فالكبر لا يمنع الجهاد، يكون عنده راحلة وقوة، حتى ولو لم يباشر الجهاد بنفسه، فقد يباشر في بعض الأمور التي يستطيعها، ويساعدهم في أشياء غير القتال.
وقوله:((فَلَبِثْتُ بِذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ، فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نُهِيَ عَنْ كَلَامِنَا، قَالَ: ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صَبَاحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا)): ظاهره: أنه ما لم يُصَلِّ مع الجماعة؛ لأنه مهجور، وهذا عذر له، كما ذكرنا.
وقوله:((فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل مِنَّا قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى سَلْعٍ يَقُولُ- بِأَعْلَى صَوْتِهِ-: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ قَالَ: فَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ)): فيه: مشروعية سجدة الشكر واستحبابها عند تجدد النعمة، أو اندفاع النقمة؛ كأن يبشر بانتصار المسلمين على أعدائهم، أو فتح حصن من الحصون فهذه نعمة عامة، أو نعمة خاصة كأن يُبشَّر بولد ولد له؛ ولهذا فإن كعبًا سجد لله شكرًا لما سمع البشير في أعلى جبل يقول: يا كعب بن مالك أبشر.
وسجدة الشكر تكون سجدة واحدة، يقول فيها: سبحان ربي الأعلى، ولا تُشترط الطهارة لها.