وقوله:((فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، فَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ رَجُلٌ إِلَيَّ فَرَسًا وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ قِبَلِي، وَأَوْفَى الْجَبَلَ، فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ)): فيه: استحباب التبشير والتهنئة بالخير؛ ولهذا فكل واحد من هؤلاء الثلاثة سعى إليه ساعٍ يبشره، وكعب ركض إليه رجل بفرس، والفرس هو أعلى شيء عندهم، فلم يكن عندهم سيارات، فركض إليه بفرس يبشره، وسبقه إنسان فصعد فوق الجبل، وجعل ينادي- بأعلى صوته-: أبشر يا كعب، فصار الصوت أسرع من الفرس.
قوله:((فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي، فَنَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ بِبِشَارَتِهِ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا- يَوْمَئِذٍ- وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا)): فيه: استحباب إعطاء البشير شيئًا إذا كان مثله يُعطَى ذلك، وقد لا يُعطَى بعضُ الناس كالوجهاء، فأعطاه كعب ثوبيه، والأقرب- والله أعلم-: أنهما الإزار والرداء، على عادة العرب كانوا يلبسون إزارًا ورداءً، يقول: والله ما أملك غيرهما، يعني: ما يملك غيرهما من الثياب، وإلا فإنه يملك شيئًا من المال والعقار؛ ولهذا فكما سيأتي بعد ذلك أنه قال:((إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم)).
وفيه: دليل على أنه إذا قال الإنسان: والله لا أملك إلا كذا وقصد نوعًا من المال لا يكون كاذبًا، وكذلك من حلف أنه لا يملك من المال إلا كذا وقصد نوعًا من المال لا يحنث.
وقوله:((فَانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنِّئُونِي بِالتَّوْبَةِ، وَيَقُولُونَ: لِتَهْنِئْكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ)): فيه: مشروعية التهنئة بالخير لمن تجددت له نعمة، أو اندفعت عنه نقمة.
وقوله: ((حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَحَوْلَهُ