ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: هل معكم من أزوادكم شيء؟ ففرح القوم بذلك وابتدروا رحالهم، فأقبل كل رجل منهم معه صبرة من تمر، فوضعها على نطع بين يديه، وأومأ بجريدة في يده كان يختصر بها، فوق الذراع ودون الذراعين، فقال: أتسمون هذا التعضوض؟ قلنا: نعم، ثم أومأ إلى صبرة أخرى، فقال: أتسمون هذا الصرفان؟ قلنا: نعم، ثم أومأ إلى صبرة، فقال: أتسمون هذا البرني؟ فقلنا: نعم، قال: أما إنه خير تمركم وأنفعه لكم، قال: فرجعنا من وفادتنا تلك، فأكثرنا الغرز منه، وعظمت رغبتنا فيه، حتى صار عظم نخلنا وتمرنا البرني، قال: فقال الأشج: يا رسول الله، إن أرضنا أرض ثقيلة وخمة، وإنا إذا لم نشرب هذه الأشربة هيجت ألواننا، وعظمت بطوننا، فقال رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم: لا تشربوا في الدُّبَّاء، والحنتم، والنقير، وليشرب أحدكم في سقائه، يلاث على فيه، فقال له الأشج: بأبي وأمي يا رسول الله،
⦗١٣٨⦘
رخص لنا في مثل هذه، فأومأ بكفيه، وقال: يا أشج، إن رخصت لكم في مثل هذه، وقال بكفيه هكذا، شربته في مثل هذه، وفرج بين يديه وبسطها، يعني أعظم منها، حتى إذا ثمل أحدكم من شرابه، قام إلى ابن عمه فهزر ساقه بالسيف، وكان في الوفد رجل من بني عصر، يقال له: الحارث، قد هزرت ساقه في شرب لهم، في بيت تمثله من الشعر، في امرأة منهم، فقام بعض أهل ذلك البيت فهزر ساقه بالسيف، قال: فقال الحارث: لما سمعتها من رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم جعلت أسدل ثوبي لأغطي الضربة بساقي، وقد أبداها الله لنبيه صَلى الله عَليه وسَلم» (١).