ومن ثَم أصبحَ من أهَمِّ الواجب على كُلِّ مسلمٍ معرفة سُنّة المصطفى المبعوث رحمة للعالمين، والعمل بها وبما يُستفاد منها، في كل شُؤون حياته، وبما يأمُل من السَّعادة في آخرتِه، وأن لا تَتَفرَّقَ به السُّبُل باتباع فُلانٍ وفُلان، فرسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - هو المُجَسِّدُ للإسلام في أقواله وأفعاله وسيرته، فلَزِمَ التعرف على هذا المِنْهاج النبوي بخصائصه الشاملة لكلِّ مفاصل الحياة الدُّنيا والآخرة، وهو المنهاجُ المتكاملُ المتوازنُ الواقعيُّ المُيَسَّر، وهو وحده الأُسوةُ الحسنةُ التي يتعينُ التأسِّي بها {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: ٢١].
قبل ثلاثينَ عامًا ابتدأت عُصْبةٌ من مُحبي سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعملٍ جادٍّ لجمع السُّنَّة في كتابٍ جامع، فكان "المُسند الجامع" بعدَ عملٍ دامَ عَشْر سنوات، فطُبع سنة ١٤١٣ هـ / ١٩٩٣ م وتلقاهُ أهلُ العلم بما يستحِقُّه من تقديرٍ وثَنَاءٍ جميل، وسَرْعان ما نَفِدت نُسَخُه بعد أن عرفَ أهلُ العلم قَدْرَهُ وما بُذل فيه من جُهْدٍ وإتقانٍ ودقةٍ قَلَّ نظيرُها في الكُتُب التي من بابتِه.
وكان العاملون فيه يُدركونَ أن ذلكَ المَشْروع المُبارك إنما هو نواةٌ لمشاريعَ كُبرى للعناية بالسُّنة النبوية الشريفة، إذ سيضافُ إليه مستقبلًا العديدُ من الكُتُب، فضلًا عن مزيدِ من التفصيل الذي يُجَلِّي معانيه، ويُكْثِرُ من فوائده، ويزيدُ ما يُرْتَجى من عوائدِه، فكان أن وفَّقنا اللّهُ جَلَّ في علاه إلى إنجاز "المُسْنَد المُصَنَّف المُعَلَّل" حصيلة أكثر من عقدين من العَمَل الجاد المتواصل الذي ابتدأنا فيه من سنة ١٤١٠ هـ/ ١٩٩٠ م، شارك فيه أو ساعد على إنجازه فتيةٌ آمنوا بِرَبِّهم وساروا على هَدْي نبيِّهم - صلى الله عليه وسلم - فمنهم من قَضَى نحبَهُ ومنهم من ينتظر وما بَدَّلُوا تبديلًا، فالحمدُ لله على ما أنعمَ وتَفَضّل.
[عنوان الكتاب]
وتسميةُ هذا العَمَل العلمي الرَّائد "المُسْنَدَ المُصَنَّف المُعَلَّل" منطبقةٌ على أُسس تنظيمه ومُحتواه، فهو "مُسْنَدٌ" لأنه جمع أحاديثَ كُلِّ صحابيٍّ في مكانٍ واحدٍ، ورتَّبَ الصحابةَ على حروف المُعْجم، فضلًا عن جعلِه في ستة أبواب، الأول في مُسند الصَّحابة، والثاني لمن اشتُهِرَ بالكُنَى منهم، والثالث في المُبْهَمات من الرِّجال، والرابع في أسماء النِّساء، والخامس في كُناهم، والسادس في المُبْهَمات من النِّساء.