فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب بمطل، ولقد كان لي بمخالطتكم علم، قال: ونظرت إلى عمر بن الخطاب، وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره، وقال: أي عدو الله، أتقول لرسول الله صَلى الله عَليه وسَلم ما أسمع، وتفعل به ما أرى؟! فوالذي بعثه بالحق، لولا ما أحاذر فوته، لضربت بسيفي هذا عنقك، ورسول الله صَلى الله عَليه وسَلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة، ثم قال: إنا كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التباعة، اذهب به يا عمر فاقضه حقه، وزده عشرين صاعا من غيره، مكان ما رعته، قال زيد: فذهب بي عمر فقضاني حقي، وزادني عشرين صاعا من تمر، فقلت: ما هذه الزيادة؟ قال: أمرني رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم أن أزيدك مكان ما رعتك، فقلت: أتعرفني يا عمر؟ قال: لا، فمن أنت؟ قلت: أنا زيد بن سعنة، قال: الحبر؟ قلت: نعم، الحبر، قال: فما دعاك أن تقول لرسول الله صَلى الله عَليه وسَلم ما قلت، وتفعل به ما فعلت؟ فقلت: يا عمر، كل علامات النبوة قد عرفتها في وجه رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أختبرهما منه؛ يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، فقد اختبرتهما، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صَلى الله عَليه وسَلم نبيا، وأشهدك أن شطر مالي، فإني أكثرها مالا، صدقة على أمة محمد صَلى الله عَليه وسَلم فقال عمر: أو على بعضهم، فإنك لا تسعهم كلهم، قلت: أو على بعضهم، فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله صَلى الله عَليه وسَلم فآمن به، وصدقه، وشهد مع رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم مشاهد كثيرة، ثم توفي في غزوة تبوك، مقبلا غير مدبر، رحم الله زيدا».
أخرجه ابن حبان (٢٨٨) قال: أخبرنا الحسن بن سفيان، ومحمد بن الحسن بن قتيبة، واللفظ للحسن، قالا: حدثنا محمد بن المتوكل، وهو ابن أبي السري، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أبيه، عن جَدِّه، قال قال عبد الله بن سلام، فذكره.
قال: فسمعت الوليد يقول: حدثني بهذا كله محمد بن حمزة، عن أبيه، عن جَدِّه، عن عبد الله بن سلام.