فقال علي: أيها الناس، إن هذا فتح، فقبل علي القضية ورجع، ورجع الناس، ثم إنهم خرجوا بحروراء، أولئك العصابة من الخوارج، بِضعة عشر ألفا، فأرسل إليهم يناشدهم الله، فأَبوا عليه، فأتاهم صعصعة بن صوحان، فناشدهم الله، وقال: علام تقاتلون خليفتكم؟ قالوا: نخاف الفتنة، قال: فلا تعجلوا ضلالة العام، مخافة فتنة عام قابل، فرجعوا، فقالوا: نسير على ناحيتنا، فإن علي قبل القضية، قاتلنا على ما قاتلناهم يوم صِفِّين، وإن نقضها قاتلنا معه، فساروا حتى بلغوا النهروان، فافترقت منهم فرقة، فجعلوا يهدون الناس قتلا، فقال أصحابهم: ويلكم، ما على هذا فارقنا عليا، فبلغ عليا أمرهم، فقام فخطب الناس، فقال: ما ترون؟ أتسيرون إلى أهل الشام، أم ترجعون إلى هؤلاء الذين خلفوا إلى ذراريكم؟ فقالوا: لا، بل نرجع إليهم، فذكر أمرهم، فحدث عنهم ما قال فيهم رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم:
«إن فرقة تخرج عند اختلاف من الناس، تقتلهم أقرب الطائفتين بالحق، علامتهم رجل فيهم، يده كثدي المرأة».
فساروا حتى التقوا بالنهروان، فاقتتلوا قتالا شديدا، فجعلت خيل علي لا تقوم لهم، فقام علي، فقال: أيها الناس، إن كنتم إنما تقاتلون لي، فوالله ما عندي ما أجزيكم به، وإن كنتم إنما تقاتلون لله، فلا يكن هذا قتالكم، فحمل الناس حملة واحدة، فانجلت الخيل عنهم وهم مكبون على وجوههم، فقال علي: اطلبوا الرجل فيهم، قال: فطلب الناس، فلم يجدوه، حتى قال بعضهم: غرنا ابن أبي طالب من إخواننا حتى قتلناهم، فدمعت عين علي، قال: فدعا بدابته فركبها، فانطلق حتى أتى وهدة فيها قتلى، بعضهم على بعض، فجعل يجر بأرجلهم، حتى وجد الرجل تحتهم، فاجتروه، فقال علي: الله أكبر، وفرح الناس ورجعوا، وقال علي: لا أغزو العام، ورجع إلى الكوفة وقتل، واستخلف حسن، فسار بسيرة أبيه، ثم بعث بالبيعة إلى معاوية (١).