الاتفاق بين الإمامين على لزوم ما نواه. وقولُ بعضهم هو محمول على قوله أنت طالق ثلاثًا، باطِل أيضا، لفرق عظيم مأخوذ من قاعدة كلية، وهو أن كل لفظ لا يستقل بنفسه - اذالَحِقَ لفظًا مستقِلا بنفسه - صيَّر المستقِلّ بنفسِهِ غير مستقل بنفسه.
ولهذه القاعدة مثالات:
الشرط، والغاية، والاستثناء، والصفة، وظرف الزمان، وظرف المكان، والمجرور والمفعول من أجله، والحالُ، والبدَل، والتمييز. ولا شكُّ أن قول القائل ثلاثا، بعد قوله: انت طالق، صيَّرَ قوله:"أنت طالق" غير مُسْتقل بنفسه، لانضمام التمييز اليه، فهو مُباين "لقوله (١٤٠) انت طالق أنت طالق، أنت طالق.
قال شهاب الدين: ينبغي - لو قضى قاض بهذا الحكم - أن ينقض هذا الحكم.
المسألة الثانية:
جاء أن خطيبا قال عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من يطِع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوَى، فقال - صلى الله عليه وسلم -: بِيسَ خطيبُ القوم أنتَ.
استدل بهذا الحديث من يقول: الواو للترتيب، ولا دليلَ فيه، لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمَرَه بأن يُرتب بالحقيقة الزمانيةِ، بأن ينطق بلفظِ الله أوَّلًا، ثم يذكر الرسول عليه السلام ثانيا، فيحْصُل الترتيبُ بالتقديم الدال على الاهتمام والتعظيم، وقد فات بِسَبب جَمْعِهِما في الضَّمير، فلذلك ذَمّه، لَا لأنه لمْ ينطق بالواو.
قلت: ويمكن أن يقال: المَذَمة، ما هى إلا من حيثُ إن الفخامة مطلوبة في هذا الموضع، ومن أجْلِها صَلُح إيقَاعُ الظاهِرِ مَوْقِع المضمَر، فلهذا ذمّهُ، لا لِغير ذلك، فليس فيه تعَرض لترتيب، لا من حيث الحقيقة الزمانيةُ ولا مِنْ حيْثُ الأداةُ، والله أعلمُ.