للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم انه يُشتَرط في خطاب التكليف علْمُ المكلَّف وقدْرتُه على ذلك الفعلِ، وكونُهُ من كسبه، بِخلاف خطاب الوضع لا يشترط فيه ذلك، غيرَ أنه استثنى الشارع في خطاب الوضع قاعدتين يشترط فيهما العلم والقدرة (٢):

القاعدة الأولى: أسباب العقوبات وهي الجنايات (٣).

فالقصاص يشترط فيه العلم والقدرة والقصد. فلا قصاص في قتل الخطأ، ولاحد على المكرَه على الزنى، ولا على من وطئ أجنبية يظن أنها زوجته، (٤) ولا على شارب خمر يعتقدهُ خَلًّا، فمِثلُ هذه الأسباب يُشترَط فيها العلمُ والقدرة والإرادة، واستثناء هذه القاعدة رحمة من الشارع، ولطفٌ منه (٥)، لأن الغالب على نظر الله قلبُ العبد. (٦)

القاعدة الثانية المستثناة: قاعدة أسباب انتقال الأملاك، كالبيع والهبة والصدقة وغير ذلك مما ينتقل به المِلْكُ، هذا كقوله - صلى الله عليه وسلم - "لا يحل مال امرئ


(٢) قال ابن الشاط هنا: ما قاله القرافي في ذلك صحيح.
(٣) عبارة القرافي هنا كثر ظهورًا ووضوحًا حيث قال:
القاعدة الأولى: الأسباب التي هي أسباب للعقوبات، وهي جنايات، كالقتل الموجب للقصاص، يشترط فيه القدرة والعلم والقصد ... الخ.
(٤) في نسخة ح: زوجة بالتنوين والتنكير، والمعنى لا يختلف عنه في التعريف.
(٥) في كل من نسختي ع، وح: ولطفا به، والذى هو موجود في نسخة أخرى، لطف عل اعتبار أن كلمة لطف معطوفة عل كلمة رحمة، وهي خبر للمبتدأ الذى هو كلمة استثناء، واللطف يكون من الشارع، وهو الله حقيقة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - مجازا، اذ هو مبلغ عن الله رسالته إلى العباد، ويكون اللطف بالعباد فيما شرعه الله لهم من أحكام ميسرة، وما أودعه فها من مقاصد حكم وأسرار مثلما يكون بالرحمة بهم في كل الاحوال. عل حد قوله تعال: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ}.
(٦) هذا التعبير بالغالب يظهر غير مناسب، في جانب الله تعالى، إذ نظر الله إلى قلوب العباد دائم ومستمر، والانسان يعامل ويؤاخَذ عند الله تعالى بما في قلبه، وبما نتج عن اعتقاده من عمل صالح وغيره. وفي الحديث الصحيح: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) وقال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ}.
والله أعلم، والموفق لكل صواب في القول والعمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>