للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: هذا التفريق لا ينبغي، من حيث إنه لا يقال: قضاء المفَرط باعتبار الحال قبل التفريط، وإنما يقال بعد وقوع التفريط وفواتِ صوم شهر رمضان. واذا كان كذلك فالقضاء واجب بخصوصه وعمومه، وكذا المسافر إنْ اعتبرناه بعد خروج رمضان، قضاؤُهُ واجبٌ بعمومه وخصوصه، فلو اعتبرنا المسافر قبل فوات رمضان فحينئذ يكون له القضاء والأداء، ويكون ما قاله لم يجب عليه خصوص واحد، ولكنه وجب عليه أحد الشهرين، واللهُ أعلم. (٥٢)

المسألة الثالثة:

المريض إذا كان يقدر على الصوم لكن مع مشقة عظيمة لا يَخْشَى معها على نفسه ولا عضوٍ من أعضائه، فهذا سقطَ عنه الخطاب بخصوضِ رمضان، ويبقَى كالمسافر مُخاطَبًا بأحدِ الشهرين، فإن خَشي على ما ذُكِر حَرُمَ عليه الصومُ، فإن أقْدَمَ على الصوم مع ذلك فلا يمكن أن يقال: إنَّه غَيَّر (٥٣) الواجبَ كما يقال للمسافر، ولكن يقال: هل يجزئ عنه؟ قال الغزالي (٥٤) رحمه الله: يحتمل عدم الإجزاء، لأن المحرم لا يجزئ عن الواجب، ويحتمل الِإجزاء كالصلاة في الدار المغصوبة، فانه متقرب بترك شهوتيْ فمه وفرجه، جانٍ على نفسه، كما أن المصلي متقربٌ، وجَانٍ على صاحِب الدار. (٥٥)


(٥٢) علَّق الشيخ ابن الشاط على كلام القرافي في آخر هذه المسألة بقوله: أما قوله: ان القضاء على المفَّرط واجب بخصوصه وعمومه بسبب واحد فصحيح.
وأما قوله: وعلى المسافر بسببين: أحدُهما رؤية الهلال فإنها اوجبت العموم الذي في القضاء وهو كونه أحد الشهرْين، فلمْ توجبْ الرؤية العموم، فإن العموم من حيث هو عموم لا يتعلق به الوجوبُ، وليس العموم هو كؤنه أحد الشهدبْن، بل أخد الشهرين خصوص غيْرُ معَيَّنٍ.
(٥٣) في نسخة ح: عيَّن، كما يظهر من كتابتها.
(٥٤) "أي في كتابه المستصفى في علم الاصول كما ذكره القرافي رحمهم الله أجمعين".
(٥٥) عقب ابن الشاط على كلام القرافي في هذه المسألة الثالثة بقوله: ما قاله القرافي من أن الواجب أحدُ الشهرين، وأنه يتعين القضاء عند تعذر الأداء، صحيح. وقوله: فإن أقدم وصام وفعل المحرم، لا يمكن أن يقال إنه غيَّر الواجب عن عمومه، وقال عن كلام الغزالي: إنه تخريج حسن، قوْل ظَاهرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>