المسألة الأولى: قال جماعة من الحنَفِيَّةِ: يتعلق الوجوب في الواجب الموَسَّع بآخِرِ الوقت، والمعجَّل قبْلَ ذلك نفْلٌ يَسُدُّ مَسَدَّ الفرض، فقال لهم الأصحابُ: لَوْ صَحَّ ذلك لَصحَّ أن يصلى قبل الزوال ويُجْرِئ عنه، فيكون نفْلًا سَد مَسَدَّ الفرض، وهو خلاف الإجماع، فكذلك بعد الزوال، لا نحصار الوجوب عندكم في آخر القامة فيكونُ إيقاعها في الوقتين على السواء، إذْ لم تجب فيهما وإنما وجبت في آخره. فإن قالت الحنفية: جاز بعد الزوال من حيث إنه لم يقصد بصلاته - حينئذ - التطوع، وانما قصد الواجب في المآلِ، قيل لهم: ويقصِدُ قبل الزوال الواجبَ في المآل لا التطوعَ، ولم يقل أحد بجواز ذلك.
فأجاب شهاب الدين رحمه الله عن الحنفية بأن قال: من شرط إجزاء ما ليس بواجب في الحال وهو واجب في المآل - عن الواجب، أن يكون سببه قد تقدم، وتأخَّر الوجوب لشرط أو غيره كما الأمر في الزكاة، فإنه وُجدَ سبب وجوب الزكاة، وذلك النصابُ، وتأخر الشرطُ وذلك الحَوْل فجاز، كَذلكْ هنا وُجِدَ سببُ الوجوب وهو الزوال، وقَبْلَ الزوال ما وُجِدَ السببُ، فوقع الفرق، فصح إجزاءُ ما قالوه، ولم يَلْزَمْهُمْ القولُ بإجزاء ما ألْزَمُوه. (٥٨)
المسألة الثانية:
زكاة الفطر يجوز تعجيلها قبل غروب الشمس بيومين أو ثلاثة، لما قُلناه من أنها واجبة في المآل.
فإن قيل: هذا يقوي الإلزام على الحنفيَّة بأن أخراجها قبل الفِطر كإيقاع الصلاة قبل الزوال.
فالجواب أن لها سببين: غروبَ الشمس آخِرَ يوم من رمضان، والوقت
(٥٨) عقب الفقيه ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذا الفرق من أوله إلى آخره فقال: ما قاله من احتمال الخلاف ظاهر، وما قاله من الجواب عن السؤال لا باس به. والأصح نظر امتناع التقديم في الزكاة، ولزوم عدم الاجزاء في مسألة الحنفية، فيصادمهم الإِجماع، والله أعلم. اهـ.