للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقولنا: في وقته، يخرج القضاء، وقولنا: المحدود له، يخرج المقيَّد بجميع العُمر، وقولُنا: شرعا، احترازا ممّا يحدده أهل العرف، وقولنا: لمصلحة اشتمل علها الوقت، يخرج النقيض المذكور. وهذا من حيث إن ما عينه الشرع كرمضان للصوم، والزوال للظهر، ذلك كله لمصلحة، فيها وإن كنا لا نَعْلَمُها. وتعْيين الفَوريات ليس كذلك، بل يتْبع المامورات وطَرَيان الاسباب، فالغربق - لو تأخر سقوطه في البحر تأخر الزمان، أو تعجل، تعجّل الزمان قبل ذلك، وليس القصد إلا حصولَ ذلك، وليس لزمان خصوصيةٌ في ذلك.

وقولنا في القضاء: بالأمر الثاني، وفي الأداء: بالامر الأول، لأن القضاء واجب بأمر جديد، وبهذا يَسْلَمُ من نقضٍ، وذلك أن شهر رمضان إذا تعذَّر صومه، فالله تعالى عَيَّن ما بعده إلى رمضان وقْتًا لقضائه، فيصْدق عليه ايقاع الفعل الواجب في وقته المحدود له شرعًا لمصلحة اشتمل عليها الوقت، كما يصدق على الأداء فإذا قلنا: بالأمر الأول، خرج القضاء، وإذا قلنا: بالأمر الثاني، خرج الأداء، وصدق على القضاء.

ثم اعْلَمْ بعد هذا أن القضاءَ لفظٌ مشتركٌ، يُقال على معانٍ مختلفةٍ، فيقال: قُضى الفِعل، إذا فعِل، ومنه: "فإذا قُضِيَتْ الصلاة" (٧٠)، وهذا معنى لغوي، ويقال على ما قلناه وحددناه، ويقال على إيقاع الواجب بعد تَعَيُّنِه بالشروع، ومنه حَجّة القضاء (٧١)، وقضاءُ النوافل بعد الشروع فيها.

ويقال على ما وقع على خلافِ وضْعه في الشريعة، مع قطع النظر عن الوقت والتعَيُّن بالشروع، ومنه قضاء الماموم، لأن الركعتين الأخِيرتين من العشاء،


(٧٠) سورة الجمعة، الآية: ١٥
(٧١) المعروف في كتب الحديث والسور النبوية عُمرة القضاء، لا حَجة القضاء إلا أن يطلَق ذلك من باب التجوز، والنظر إلى أن العمرة تشمل على بعض مناسك الحج. والله أعلم، والمراد عمرة القضاء التي أداها النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام في السنة السابعة من الهجرة بعد ما حال الكفار دون دخوله إلى مكة وادائه للعمرة في السنة السادسة من الهجرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>