لا يلزم أربَابَ الأعذار، فَدَلَّ لزوم الصلاتين لهُمْ أن ذلك الوقت وقت أدائهما، ولمَّا كان الأداء إيقاع الواجب في وقته المحدود له شرعًا كما تقدم، لزم أن يكونَ الظهر والعَصْر أداءً في حق كل أحَدٍ إلى غروب الشمس، لأنَّا لمَّا حدَّدْنَا الأداء، لم نَحدّه بالنسبة إلى الفاعلين، وانما حددناه بالنسبة إلى العبادةِ خاصة، مع قطع النظر عن الفاعل، هل هوَ صاحبُ عُذْرٍ أم لا، ولا أحد تعرض في حدِّ الأداء والقضاء لأحوال المكلف بل للعبادة فقط، فصار الأداءُ والقضاء تابعا لكون العبادة في وقتها أم لا، فكان الظهر أداء إلى غروب الشمس، بناء على صدقِ حدّ الأداء عليه، ولمَّا كان الشرع قد منع المكلف الذي لا عذر علية من تاخير العبادة إلى آخر وقتها مطلقا، كان من لا عذر له مؤدِّيا آثما، أمَّا أداؤه فلصدق حدّ الأداء، وأما إثمه فلتأخيره عن الوقت الذي حُدَّ له، وذلك آخرُ القامة.
قلت: أما سبب تعلق الإثم بمن لا عذر له فظاهر، وأما أنه مؤدٍّ لصدق الحَدِّ عليه فممنوع، فإنا إذا قلنا في الحدِّ: إيقاع الفعل في وقته المحدود له شرعا، فهذا الوقت الممتدُّ للغروب قد حدَّه الشرع لأهل الأعذار، وما جعله لمن لا عذر له، بل جعل لهم آخر القامة مثلا، وكون الحَادِّ لم يَعتبر المكلفين ولم يفصِّل الحد بحسبهم لا يلزمه، وإن لزمه فغفلة منه، فكيف نجعل هذا القدر دليلا على صحة هذه الدعوى (٧٣)، والله أعلم.
قال شهاب الدين: والأداء مع الإثم يَتجِه لفريقين: أحدهما من لا عذر له فأخَّر إلى الوقت المذكور، والثاني الذى أخر إلى آخر الوقت، وقد كان يعتقد أنه لا يتمكن من إيقاع الفعل آخر القامة بعذرٍ واحد، كما قلنا في مسألة القاضي
(٧٣) في نسخة ح: القاعدة، ولعلها أنسب، لأن الكلام في مجال تقرير القواعد الفقهية العامة ومدى صحة تطبيقها على الجزئية، إذ القاعدة الكلية كما يقال في تعريفها: امْرٌ كلي ينطبق على جميع جُزْئياته.