للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيف أيضا يصح قول القاضى عبد الوهاب: إن صومه واجب عليها، وهي ممنوعة من صومه، بل اثمة ان فعلتْ، فتكون ماثومةً غير ماثومة بحسب فعل واحد، والأظهر أنه غير واجب عليها صومُه لذلك، والذى حمل القائلين بالوجوب أشياء:

أحَدُهما: عموم قوله تعالى: "فمن شهِد منكم الشمهرَ فليصمه" (٧٩)، وهذا ليس بظاهر، لأن التخصيص يصرفُهُ لما تقرر من أنها ممنوعة من صومه، والدليل العقلي أحدُ ما يتخصَّصُ به العَامُّ، وأنها ممنوعة من صومه، معلوم قطعا في الشريعة المحمدية.

الثاني: كونها تنوى قضاء رمضان.

وجوابه أن النية في الصوم لابدَّ منها، وأنواع الصوم كثيرة، فلابد لهذا الصوم من شيء يتميز به لتقع النية كذلك مَمَيِّزة له بما تميز به من الخصوصية، وهو ليس بتطوع ولَا واجب ابتداءً، ولا نذرٍ ولا كفارة. وسبَبُ هذا الصوم هو ترك رمضان، فأضيف اليه بسبب ذلك ليتميز عن غيره، لأن الوجوب تقدم.

وقالوا أيضا: ان القضاء يقدَّر بقدر الأداء الفائت، فأشبه قيم المتلَفات القائمة مقام الأعيان المُتْلَفَةِ، فكذلك هذا القضاء يقوم مقام الواجب الذى فات، فلو لم يجب شيء، ما قام هذا القضاء مقامه.

والجواب هو ما قلنا في الثاني: أن الصوم بسبب الترك لا بسبب الوجوب، كذلك أَيضا بِعَدَدِ الترك تعدد القضاء.

قلت: والمسألة ترجع إلى أن القضاء لا يكون مرتّبا الا على الوجوب، أو يكون مرتّبا عليه وعلى سبب الوجوب. فعبد الوهاب والحنفي، رحمهما الله قال بالأول. وما قاله شهاب الدين وهو الذي ارتضاه الإمام فخر الدين، وكذلك تاج الدين في الحاصِلِ من المحصول وهو الأوْلى والأظهر، والله أعلم.


(٧٩) سورة البقرة: الآية ١٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>