لما حج هارون الرشيد ومعه ابو يوسف، واجتمعا بمالك في المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وقع البحث في ذلك، فقال أبو يوسف: إذا اجتمع الجمعة والظهر يوم عرفة قدمت الجمعة لانها أفضل وواجبة قبل الظهر مع الإمكان. قال له مالك: إن ذلك خلاف السُّنة، وقال له ابو يوسف: من أين لك ذلك وأنه خلاف السنة، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بالناس ركعتين، قبلَهما خطبة، وهذه هي صلاة الجمعة؟ فقال له مالِك: جهر فيهما أوْ أسَرَّ؟ فسكتَ ابو يوسف، فظهرت الحجة لمالك بسبب الإسْرار، رضى الله عنهم-أجمعين. لأن الجمعة جهرية، فلمّا صلى عليه السلام كعتين سِرًّا دل ذلك على أنه صلى الظهر سفرية وترك الجمعة، والخطبة ليوم عرفة لا ليوم الجمحة، لأن عرفة، إنما خطبتُهُ لتعليم الناس مناسك الحج، كانت في يوم الجمعة أوْ لا. اهـ. قلت: وهذه المناظرة والمحاورة نموذج للمناظرات العلمية الهادئة، والمحاورات الرزينة النافعة التي كان العلماء يتبادلونها بالحجة والمنطق للوصول إلى الحقيقة والصواب والإقناع والاقتناع. رحمهم الله.