للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحصانٍ، أو قتل نفْسٍ عَمداً عُدْوانا، وهي أسباب عظيمة، فاذا أبِيحَ دمُهُ بالرِدة حُرم بالتوبة، وفي القصاص بالعفْو، والتوبة أيْسر من الردة والقتْلِ.

قلت: بل التوبة أصعَب، أما من القتل فظاهِر، لأن القتْلَ فعْل جسماني يثيرُه غضب، والتوبة فعل قلبى يثيره معرفة الحق، والتوفيقُ إلى الحق بما عرف، وشتَّان بين الأمور القلبية والأفعال الجسمانية، فكيف إن زدْنا في النظر إلى الأسباب. وأمَّا أن الردة أيْسَرُ من التوبة فَلأِن الردة يثيرها الجهل، والتوبة تُثيرها المعرفة، والجهل أصل في الإنسان، والمعرفة ثانية.

قال شهاب الدين رحمه الله:

وثالثها الأجنبية لا يزول (١٥٨) تحريم وطئها إلا بالعقد المتوقف على إذنها ووليها، وصداق، وشهود، وإباحتها (١٥٩) بعد العقد يكفى فيها الطلاق فترتفع تلك الإِباحة بالطلاق. (١٦٠)

قلت: يُعَارَضُ بأن يقال: الأجنبية لا تزول إباحة العقد عليها لزيد إلا


(١٥٨) كذا في نسخة ح، وكتاب الفروق، وفي نسخة ع: لا يُزيل بالفعل الرباعى، وهو يستلزم ويقتضى أن تكون كلمة العقد مرفوعة على أنها فاعل به، بينما الكلمة مجرورة بحرف الجر، مما يتناسب الفعل يزول، أما المعنى فلا يكاد يختلف بينهما في شئ على ما يظهر،
(١٥٩) كذا في نسختى ع، وح، وكتاب الفروق للقرافي، (وإباحتها بعد العقد). وفي نسخة ثالثة من هذا الترتيب للبقورى: (وتحريمها بعد العقد).
ولعل لكل كلمة وجها في المقصود والمعنى، فكَلمة إباحتها تعْنى إباحتها له بعد عقده عليها عقدا مستوفيا للشروط الشرعية المطلوبة فيه، يكفى في رفعها الطلاق الذي يستقل به الزوج، كلمة تحربمها تعنى تحريمها على نفسه بالطلاق بعد الإباحة لها بالعقد، فترتفع الإِباحة بالنسبة له. والله أعلم.
(١٦٠) الطلاق أمر يستقل به الزوج كما جاء عند القرافي في وصفه للطلاق في هذه العبارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>