للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يُظَنُّ فيه مخالفة القاعدة، إذا شك هل صلى ثلاثًا أم أربعًا فإنه يأتي بركعة، مع أنها دائرة بين الرابعة الواجبة والخامسة المحرمة، وإذا تعارض الواجب والمحرَّم قُدِّم التحريمُ، لأن التحريم يعتمد المفاسدَ، والوجوب يعتمد المصالح. (أي فعناية صاحب الشرع والعقلاء، بِدَرْء المفاسد أشد من عنايتهم بجلب المصالح كما قال القرافي رحمه الله.

وكذلك إذا شك في وضوئه، هل هي ثالثة أو ثانية، فإنه يتوضأ ثالثة مع دورانها بين الندب والتحريم، والتركُ هنا أقوى, لأن الندب أخفض رتبة من الواجب.

فأجيبَ عن الصلاة بأن الخامسة إنما هى محرمة إذا تَيَقَّنا الرابعة، لا في الصورة التى وقعت فيها بالشك، وكذا الأمر في الوضوء ايضا.

قال شهاب الدين -رحمه الله-: وأشكل قولُ مالك رحمه الله:

إذا شك هل طلع الفجر أو لا، فإنه لا يأكل، مع أنه قال: إذا شك في اليوم فإنه لا يصومه، فأجابَ بأن الليل كان أصله الصوم، وخفف بعد ذلك، فهذا المشكوك فيه بيقيه على أصله في أنه يصام، ولا يخرجه إلى الأكل فيه كما خرج المتيقن. (٢٤٠)

قلت: والأظهرُ عندي أن يقال: هذا خرج عن القاعدة من حيث إن ترْكَ أكله دائر بين أن يكون واجبًا أوْ جَائزًا، فيصيرُ إلى تركه ولا بد، عملاً بالأرجح، والله أعلم.


(٢٤٠) علق ابن الشاط على كلام القرافي هنا فقال: ليس ما قاله القرافي من أن الأصل في الليل الصوم، بصحيح، وإنما كان الممنوع بالليل الأكل والوطْءُ بعد النوم خاصة، أما غير ذلك وهو ما قبل فلا.
ثم إن جوابه معارض للنص في قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}، فنصَّ على أن الغاية تبيُّن الفجرِ. وما أرى المالكية ومن قال بقولهم في وجوب إمساك جزء من الليل ذهبوا إلى مخالفة الآية، عملاً بالاحتياط، بل حملوا الآية على المراقب للفجر وهو قليل في مجرى العادة، فأطلقوا القول، بناء على الغالِب، وهو عدم المراقبة، والله أعلم، ثم قال ابن الشاط: وما قاله القرافي بعد ذلك في هذا الفرق من السؤال والجواب عنه في المسائل المذكورة لحد مسألة الصيام، فصحيح، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>