للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكنه يرِدُ علينا سؤالٌ، وهو أن اسم العدد جاء فيه المجاز، كقوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} (٤١)، قال العلماء: المراد الكثرة كيف كانت، وكذلك قوله تعالى: "سَبعُين ذِراعًا" (٤٢)، أي طويلة جدًا، فخصوص السبعين ليس مرادًا، بل المراد المراتُ الكثيرة جدًا. ومن كلام الناس: سألتك ألف مرة فما قضيتَ لي حاجة. فعلى القاعدة المقررة في الموضعين: إذا حلف ليَعتَقن ثلاثة عبيد اليوم، فأعتق عبْدَيْن، وقال: أردتُّ بذلك عبْدَين لم تُفِدْهُ نيتُه، وحنث إذا خرج اليومُ ولم يَعتِقْ الثالثَ. فإذا قال: والله لأعتقن عبدي (٤٣) وقال: أردت بالعتق البيع، وبالعبيد الدواب لأفاده ذلك, لأن المجاز هنا يصلح، وهنالك لا يصلح. فإذا قال: والله لأعتقن ثلاثة عبيد، وقال: أردتُّ به بيع ثلاث دواب جاز, لأن المجاز لا يمنع فيها إلا من حيث العدد.

ونظيره من الطلاق: أن يقال: أَنْتَ طالق ثلاثا، فلا يفيده أن يريد بذلك طلقتين، فإن قال: أردت بذلك أنك طلقت من الولادة (٤٤) ثلاث مرَّات أفادهُ.

وقد أشكل ذلك على ناسٍ فقالوا: أفادته النية في الكل، ولم تُفده في البعض، وهو خَلاف القواعد.


(٤١) سورة التوبة: الآية ٨٠، في المنافقين. وتمامها: "فلن يغفر الله لهم".
(٤٢) سورة الحاقة: الآية ٣٢. في معرض من أوتي يوم القيامة كتابه بشماله، فكان محكوما عليه بالعذاب والشقاء في الآخرة، مصداقا لقوله تعالى مخاطبا ملائكة العذاب بأمره سبحانه، {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (٣٥) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ}.
(٤٣) في نسخة عبيدًا (بالتنوين)، والذي في نسخة أخرى وفي الأصل عند القرافي عبيدى، (بياء الإضافة)، وهو أنسب وأظهر, لأن الجامع بين الحقيقة، التي هي العبيد، والمجاز الذي هو الدواب، هو الملك في كل، والملك مستفاد أكثر من الإضافة لا من التنكر، على اعتبار أن المرء لا يعتق في الغالب، إلا ما يملك من العبيد، وقد يعتق منهمْ غير ما يملك في النادر، وبذلك يبقى للتنكير في كلمة العبيد وجه وإن كان مرجوحا، والله أعلم.
(٤٤) كذا في ثلاث نسخ من الترتيب: "من الولادة" على أن من ابتدائية.
والذي رأيته في الأصل الذي هو كتاب الفروق هو كلمة من الولد. والمعنى متقارب فيما يظهر،

<<  <  ج: ص:  >  >>