للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقيد. فيحمل الأول على الثاني، فلا يجوز التيمم بغير التراب، وهذا لا يصح، فإن الأول عام كلية، ولا يصح فيها حمل المطلق على المقيد، لما تقدم. وقالوا أيضا: هو من باب تخصيص العموم بذكر بعضه، وهو - أيضا - لا يجوز، لما تقرر. فأصاب الشافعي في هذه المسألة ما أصاب المالكية في بيع الطعام قبل قبضه حرفا بحرف (٨٠).

قلت: ولنذكر ها هنا أمثلة ذكرها شهاب الدين رحمه الله في غير هذا الوضع، نختم بها الكلام على العموم فنقول:

قال -رحمه الله-: جرت عادة الفقهاء في الكفارات، هل هي على التخيير أو الترتيب، أن يقولوا: إذا ورد النص بصيغة أو فهي على التخيير، كقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أو إطعام كذا، وإن كان بصيغةِ مَن الشرطية فهي على الترتيب، كقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ}، قال: وهو غير صحيح.

بيانه أن مقتضى ما ذكروه أن يكون قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} (٨١) ألَّا يجوز إشهاد رجل وامرأتين إلا عند عدم رجلين، والإحماع على خلاف ذلك، فنستفيد من هذه الآية سؤالين عظيمين: أحدهما أن الصفة لا تقتضى الترتيب. وثانيهما أنه لا يلزم من عدم الشرط عدم المشروط، وهو خلاف الإجماع، وهو ها هنا كذلك.

فأجاب بأن قال: المرادُ في الآية انحصار الحجة التامة من الشهادة بعد الرجلين في (٨٢) الرجل والمرأتين، فإنه لا حجة تامة من الشهادة في الشريعة إلا الرجلان، والرجُلُ والمرأتان، هذا هو المجمع عليه.

وأما شهادة الصبيان وشهادة أربع نسوة عند الشافعي، وشهادة امرأتين وحدهما فيما ينفردان فيه كالولادة، فهذه الآية حجة على بطلان ذلك كله،


(٨٠) قال ابن الشاط: ما قاله القرافي في هذه المسألة الرابعة صحيح.
(٨١) سورة البقرة: ٢٨٢.
(٨٢) في النسختين معا: «من الرجل والمرأتين»، ولعل الصواب «في الرجل والمرأتين»، حيث إن الفعل «انحصر»، وكذا مصدره «انحصار» يتعدى بحرف الجر «في»، فيقال: انحصر الأمر في كذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>